إلى من يلقن شعبه كراهية المغرب ويغرس فيه العداء له.. أول علامات تحضر البشر .. !! | حدث كم

إلى من يلقن شعبه كراهية المغرب ويغرس فيه العداء له.. أول علامات تحضر البشر .. !!

“سألت إحدى الطالبات ذات مرة عالمة الأنثروبولوجيا “مارجريت ميد” عما تعتبره أول علامة حضارة في تاريخ الإنسان.

توقع الجميع أن تحدثهم العالمة في الأنثروبولوجيا عن الأواني الفخارية أو أدوات الصيد…

لكن كان رد “مارجريت ميد” معاكس لجميع التوقعات حيث قالت :”إن أول علامة على الحضارة في الثقافة القديمة هي الدليل الذي وجدناه، عبارة عن عظام  لشخص أصيب بكسر في عظم الفخذ وشفي منه واستمر في الحياة.

و أضافت في مملكة الحيوان عموما، إذا كسرت رجلك، سوف تموت لا مفر من ذلك، حيث أنك لن تتمكن من الهروب من الخطر المحدق بك من كل جانب أو الذهاب إلى النهر لشرب الماء أو البحث عن الطعام مثلا، زيادة على ذلك ستصبح فريسة سهلة للحيوانات المفترسة، في الغاب لا ينجو أي حيوان كسرت ساقه، لعدم توفر الوقت لغاية شفاء العظم. إن عظم الفخذ المكسور والذي تم معالجته الذي وجدناه، دليل على أن شخصا ما آخر استغرق وقتا للبقاء مع المصاب و حمياته والإعتناء به لغاية ان يتعافى.

إن مساعدة شخص ما على تجاوز مصاعب الحياة هي نقطة البداية للحضارة، إن الحضارة مساعدة مجتمعية “.

التأمل في هذا المثال من عالم الحيوان يحمل معاني عميقة يمكن ربطها بفكرة أساسية في تطور الإنسان وحضارته. فعندما نقارن بين الإنسان والحيوانات في الغابات أو في البرية، نلاحظ الفرق الكبير في طريقة تعامل الإنسان مع الظروف الصعبة التي قد يتعرض لها، مثل كسور العظام. في عالم الحيوانات، كما ذكرت “مارجريت ميد” إذا تعرض حيوان لكسور أو إصابات جسدية خطيرة، فإن فرصه في البقاء على قيد الحياة تكون ضئيلة للغاية. السبب الرئيس في ذلك هو غياب التعاون والمساعدة بين أفراد النوع في معالجة تلك الإصابات. من جهة أخرى، الإنسان، بفضل التعاطف والمساعدة المتبادلة، بدأ يشكل نواة حضارية تختلف تماما عن الأنماط الحيوانية.

1.الاعتناء بالمصاب بداية فكرة التعاون

الواقع الذي تحدثت عنه “مارجريت ميد” يعكس كيف أن الحضارة الإنسانية بدأت فعلا من لحظة اتخاذ قرارٍ جماعي للمساعدة. تلك اللحظة التي “استغرق فيها شخص ما وقتا للبقاء مع المصاب وحمايته والإعتناء به حتى يتعافى”هي نقطة التحول الفارقة”.

الإنسان أدرك أنه من خلال العمل الجماعي والتعاون يمكنه التغلب على المخاطر التي تهدد حياته. لذلك، لم يكن الشفاء من الإصابة مجرد أمر فردي، بل أصبح مرهونا بالقدرة على التواصل والعمل الجماعي. بهذا المعنى، يمكن القول إن الحضارة تبدأ من هذا النوع من الوعي بالمجتمع والإحتياجات المتبادلة بين الأفراد.

2.الإنسان ككائن إجتماعي:

في الحضارات الأولى، لم يكن الإنسان مجرد كائن يبحث عن طعامه أو يحمي نفسه من المخاطر، بل كان يسعى إلى بناء علاقات إجتماعية مع الآخرين. تتطلب الحياة في مجموعة التعاون بين الأفراد من أجل النجاة. الفكرة الأساسية التي يمكن استخلاصها من المثل الذي ذكرته “مارجريت ميد” هو أن الإنسان بقدر ما يستطيع العناية بمصابي مجتمعه، بقدر ما يرفع من شأن هذه الحضارة ويعزز قدرتها على الإستمرار والتطور.

3.من “النجاة” إلى “الازدهار”:

ما يميز الإنسان عن الحيوانات في هذا السياق هو أن الإنسان لا يسعى فقط للبقاء على قيد الحياة، بل يعمل على تحسين شروط حياته وحياة الآخرين. فالمساعدة المجتمعية لا تقتصر فقط على علاج الجروح أو إصلاح الكسور، بل تشمل أيضا حماية الفرد من الأخطار المستقبلية، توفير الطعام، التعليم، والرعاية الصحية، وتطوير بنية  إجتماعية تضمن للجميع فرصا للعيش بكرامة. هذا النوع من الإهتمام المتبادل هو ما يشكل أساسا للحضارة.

4.دور العناية والرعاية في بناء المؤسسات:

يمكن ربط هذه الفكرة ببناء المؤسسات في المجتمعات المتحضرة. المجتمعات المتقدمة هي التي تولي عناية خاصة بالأفراد الضعفاء أو المصابين، والتي تبني نظما قانونية، طبية، وتعليمية لحماية الجميع. أما المجتمعات البدائية التي لا يتوفر فيها هذا النوع من الرعاية، فهي لا تستطيع التطور أو الإستمرار، حيث أن الفرد العاجز عن الدفاع عن نفسه سيظل عرضة للخطر.

5.الحضارة كدليل على التضامن:

في النهاية، تعكس هذه الفكرة من الحضارة الإنسانية كـ “مساعدة مجتمعية” أعمق مفهوم للتضامن. الحضارة ليست مجرد مجموعة من المباني أو الاختراعات، بل هي الأشكال المختلفة من العناية والتعاون بين البشر، مثل المساعدة في الشفاء، حماية الضعفاء، والحرص على بقاء الجميع في المجتمع. هذا النوع من التضامن هو الذي يمكن أن يغير مصير الأفراد والمجتمعات بشكل جذري.

6.الفهم المتطور للوجود البشري:

الحضارة تتجاوز بكثير مجرد القدرة على البقاء. فحينما يتجاوز الإنسان حدود “النجاة” إلى “الإزدهار” فإنه يكون قد بدأ بالفعل في بناء حضارته. هذا الفهم المتطور للوجود البشري يجعلنا نرى أن الإنسان لا يكتفي بحماية نفسه، بل يسعى لتحقيق التوازن الإجتماعي والرعاية المتبادلة، مما يسهم في تطور المجتمعات وازدهارها.

في النهاية، كما تشير الفكرة، فإن أولى بذور الحضارة تبدأ في لحظات العناية المتبادلة، حيث أن مساعدة الآخرين في مواجهة المصاعب هي حجر الزاوية لبناء مجتمع متماسك ومزدهر.

نعم، يمكن القول إن الحضارة هي نتيجة تعاون وتفاعل بين أفراد المجتمع. هي نتاج جهود مشتركة تهدف إلى تحسين نوعية الحياة، وتطوير المعارف، والفنون، والتكنولوجيا، وتأسيس أنظمة إجتماعية وقيمية تساهم في رفاهية الإنسان. الحضارة تتكون من تراكم الخبرات والمعرفة عبر الزمن، ويعتمد تقدمها على التعاون بين الأفراد والجماعات لتحقيق مصالح مشتركة، مثل توفير الأمن، والتعليم، والرعاية الصحية، وبناء المؤسسات التي تدعم التنمية المستدامة.

عمر المصادي

 

 

التعليقات مغلقة.