من خلال أعمالها القوية والملتزمة، تعيد المخرجة صياغة الخطاب السينمائي من خلال تسليط الضوء على تيمات متنوعة تتردد عبرها أصداء الحراكات الاجتماعية وقضايا الراهن الانساني.
تلقي هذه الفنانة ذات الرؤية البعيدة، من خلال حكيها البصري، نظرة جديدة على المجتمع الأمريكي، مضفية على شخصياتها عمقا انسانيا وأصالة نادرة تنضح من الشاشات. إنها تدفع المشاهد نحو التفكير في علاقات السلطة والعدالة الاجتماعية والمقاربة النسائية.
بزاوية إخراج متوغلة إلى أقصى الأعماق، تؤكد آفا أن السينما الملتزمة يمكن أن تكون أيضا رديفا للثراء والتنوع البصري. فإطاراتها المشكلة بلمسة فنية رفيعة واختياراتها للألوان، لاسيما في فيلمها الشهير “سيلما”، وفيلمها الطويل الثاني “Middle of Nowhere” الذي توجت عنه بجائزة أفضل إخراج من مهرجان ساندانس، وكذا سلسلتها الناجحة “عندما رأونا”، تعكس حسا فنيا رفيعا.
بالنسبة لآفا دوفيرناي، التي حلت ضيفة على فقرة “حوارات” في إطار الدورة 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، يعود عشقها للسينما الى طفولتها، حيث كانت تنقاد لسحر الأفلام. “كنت معتادة على الذهاب بانتظام رفقة خالتي لمشاهدة الأفلام في القاعات السينمائية، وهكذا أصبحت هاوية للفن السابع، دون أن أفكر أني قد أصبح يوما صانعة للأفلام”.
والحال أن طريقها الى الإخراج لم يكن مسطرا. فبعد أن تابعت دراستها بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، باشرت وظيفتها في الدعاية للأفلام، مهنة فتحت لها بابا نحو عوالم هوليود. عملت أيضا في الاتصال والصحافة. كانت تعتقد أنها بصدد تحقيق حلمها من موقع المساهمة في الترويج للأعمال السينمائية. كل ذلك كان مجرد مرحلة في مسار هذه السينمائية متعددة المواهب، مهدت لانتقالها الى موقع الإخراج. لقد اكتشفت أن حبها للسينما يتجاوز التمتع بالمشاهدة.
سنة 2014، وقعت آفا دوفيرناي منعطفا حاسما في مسيرتها. فبإخراج الفيلم الروائي الطويل “سيلما”، باتت أول مخرجة أفروأمريكية ترشح لجوائز غولدن غلوب، ويدرج فيلمها ضمن فئة أفضل فيلم. وتوالى نجاحها، خصوصا عبر فيلمها الوثائقي “الثالث عشر” (2016)، الذي يحيل الى التعديل ال 13 للدستور الأمريكي الذي يحظر العبودية، والذي جعل منها أول امرأة سمراء البشرة في تاريخ الأوسكار يتم ترشيحها كمخرجة في فئة الفيلم الطويل.
وبخصوص تطور الصناعة السينمائية، قالت آفا دوفيرناي إن التقدم في مجال التمثيلية والتنوع ملحوظ، لاسيما مع بروز وجوه نسائية فرضت ذاتها بقوة، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، مضيفة أن تحديات عديدة مازالت قائمة بالنسبة للنساء في دواليب الصناعة السينمائية.
يذكر أن برنامج “حوارات” يستضيف في هذه الدورة 18 شخصية من مختلف عوالم الصناعة السينمائية، ينتمون الى مختلف القارات، في فضاء للتبادل الحر مع رواد المهرجان، يفتح نوافذ على مقارباتهم ورؤاهم وأساليبهم في ممارسة عشقهم السينمائي.
حدث:ماب