داود أولاد السيد في "المرجا الزرقا".. الصحراء فتنته البصرية المزمنة

داود أولاد السيد في “المرجا الزرقا”.. الصحراء فتنته البصرية المزمنة

0
03/12/2024

يجدد داود أولاد السيد في فيلمه “المرجا الزرقا” رهانه على الفضاءات الصحراوية المفتوحة لتركيب حكاياته التي تجمع بين البساطة شكلا والعمق الفلسفي الثاوي خلف حوارات وعلاقات تبدو عادية.

في صحراء آسا، يقترح الفيلم (85 دقيقة) الذي عرض، اليوم الثلاثاء، ضمن فقرة بانوراما السينما المغربية في إطار الدورة ال 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، رحلة بالقدم والقلب في مكان ساحر تحكمه الرياح، تشكله تلال ذهبية تناجي زرقة السماء، وأفق ممتد يحرض على التأمل والسفر. الجد علال (محمد خيي) يصحب حفيده الكفيف يوسف (يوسف قدير) في رحلة تلبية لرغبة جارفة في الوصول الى بحيرة بين الواقع والأسطورة تدعى “المرجا الزرقا”.

يوسف (12 سنة) الذي فقد البصر في حادثة أودت بوالديه وجد، للمفارقة، في آلة التصوير شغفه الأقصى، يصور بها الأصدقاء في المدرسة، والمشاهد الطبيعية، وزينب، ابنة الحي، وها هو يرافق جده في سفر يصبح رحلة تطهر ونضج على وقع أسئلته التي لا تنتهي. كانت إدارة الممثل تحديا كبيرا أمام داود أولاد السيد الذي توفق في تنسيق التفاعل بين طفل لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا وممثلين قديرين من حجم محمد خيي وحسناء طمطاوي (الجدة وردية).

الوفاء للفضاء وللأسلوب عنوان كبير لتجربة أولاد السيد في هذا العمل. فتنة مزمنة تمارسها عليه الفضاءات الصحراوية المفتوحة، كما في فيلميه “باب البحر، طرفاية” أو “كلام الصحرا”، وهو الفوتوغرافي الأصيل الذي يبرع في صناعة إطارات ثابتة بانورامية لا تخفى جماليتها التشكيلية. تصبح القصة، وخصوصا قصة السفر، بمحطاتها ولقاءاتها، مجرد ذريعة لاستنطاق نبض المكان ومساءلة الشرط الإنساني واستعادة الأشياء الجوهرية في الوجود. أثناء العزلة، يرفع المرء رأسه للسماء المضيئة بنجوم تظهر وتختفي، شأن الحياة.

لا تعنيه الإعاقة في سياق هذه الحكاية إلا بوصفها حافزا للإرادة. فيوسف يرى الحياة بطريقته الخاصة، والفضاء الصحراوي على وجه الخصوص لا يرى في عمقه إلا بالقلب الذي يتمدد حيث تتوقف الحواس.

وينطوي الفيلم الذي أنتجته سيسيل أولاد السيد وعبد السلام المفتاحي، على عمل تقني رفيع المستوى، جسدته الاقتراحات الجمالية لمدير التصوير علي بنجلون، والدور الهام لصوت يلتقط نبضات المكان، هندسته سارة قدوري. وقد استغرق المشروع أربع سنوات، مدة عادية في مسار داود أولاد السيد المعروف بتأنيه وصبره في الإعداد لأعماله السينمائية.

أطل داود اولاد السيد، دكتور الفيزياء والمصور الفوتوغرافي، على السينما بفيلمه الطويل الأول سنة 1998، بعنوان “باي باي السويرتي” الذي حصل على جائزة النقاد في المهرجان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط بمونبوليي. تلته أفلام “عود الريح” (2002)، “باب البحر” (2003)، “في انتظار بازوليني” (2007) (جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي)، “الجامع” (2010)، ” كلام الصحرا” (2017).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.