الحكم الذاتي "الحقيقي".. بين الدينامية الدولية والرهانات الداخلية | حدث كم

الحكم الذاتي “الحقيقي”.. بين الدينامية الدولية والرهانات الداخلية

0
22/04/2025

سيدي اسباعي: يشهد ملف الصحراء زخما دبلوماسيا وسياسيا دوليا متزايدا، خاصة مع طرح وتداول مصطلح “الحكم الذاتي الحقيقي” كخطوة واقعية نحو تسوية هذا النزاع.

وفي هذا الإطار، برز هذا الطرح بشكل لافت خلال فترة رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدا أن هناك رؤية دولية مدعومة أمريكيا تتبنى هذا الخيار كحل واقعي وعملي، وهذا التوجه قابله انخراط مهم من قوى إقليمية ودولية أخرى ذات صلة بالنزاع مثل فرنسا واسبانيا، مما يعكس إدراكا دوليا متناميا بضرورة تجاوز حالة الجمود التي طالت أمدها.

كما أن المثير للانتباه في هذا السياق هو التغير النسبي في خطاب الجزائر وجبهة البوليساريو، فبعد سنوات من التمسك بخيار الاستفتاء المفضي إلى الانفصال كحل وحيد، بدا أن هناك اعترافا ضمنيا ولو جزئيا، بإمكانية طرح الحكم الذاتي ضمن مقترحات أخرى لحل النزاع، تحول وإن كان لا يزال حذرا يمكن قراءته كاستجابة للضغوط الدولية المتزايدة وللتطورات الواقعية على الأرض التهديد بوضع البوليساريو ضمن قائمة التنظيمات والحركات الإرهابية…

وعلى صعيد الجبهة الداخلية المغربية، يبرز المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (CORCAS) برئاسة خليهن ولد الرشيد كفاعل أساسي، فهناك وجهة نظر قوية ترى في هذا المجلس بما يضمه من شيوخ وأعيان ومنتخبين صحراويين، الجهة الأحق بالترافع عن مقترح الحكم الذاتي وتقديم تصور واضح ومفصل لمفهوم “الحكم الذاتي الحقيقي” الذي يتم تداوله.

وبطبيعة الحال بعيدا عن الرؤية الضيقة التي يحاول البعض عبرها تصفية حساباته مع عائلة أهل الرشيد، ففي مقابل ذلك تتعالى أصوات تطالب بإعادة هيكلة المجلس وتفعيل دوره بشكل أوسع ليواكب الدينامية الجديدة للملف.

وفي هذا السياق يطرح السؤال حول مدى أهمية عودة السياسي المخضرم خليهن ولد الرشيد إلى الواجهة الميدانية، مستفيدا من خبرته الطويلة وعلاقاته الواسعة، للعب دور أكثر شمولية في المرحلة المقبلة.

إلى جانب ذلك، يظهر هيكل سياسي جديد في الساحة، وهي حركة “صحراويون من أجل السلام” بقيادة الحاج أحمد باركلا، لقد استطاعت هذه الحركة في فترة وجيزة أن تحجز لها مكانة مهمة على المستوى الدولي، وأن تحظى بالاعتراف في العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية، إذ يمثل صعود هذه الحركة تعبيرا عن أصوات صحراوية تبحث عن حلول واقعية وسلمية للنزاع، وتؤمن بضرورة تجاوز الانقسام والشتات.

إن هذا الزخم المتزايد الذي يشهده ملف الصحراء سواء على المستوى الدولي أو الداخلي، يطرح تساؤلا مهما حول ما إذا كنا بالفعل على مسافة قصيرة من تحقيق حسم نهائي لقضية استعصت على الحل لعقود طويلة؟

فالتطورات الأخيرة، من تبني قوى دولية لخيار الحكم الذاتي إلى التغير النسبي في خطاب الأطراف الأخرى، مرورا بالدينامية الداخلية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية كلها مؤشرات إيجابية، ومع ذلك لا يمكن تجاهل التعقيدات والتحديات التي لا تزال قائمة.

كما أن الوصول إلى حل نهائي يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، وتقديم تنازلات متبادلة والانخراط في حوار جاد وبناء، خاصة وأن معاناة الصحراويين مع التفرقة والشتات وآثار النزاع المستمر تستدعي اليوم أكثر من أي وقت مضى تغليب منطق السلام والمصالحة، والبحث عن حلول مستدامة تضمن مستقبلا أفضل للجميع.

في المحصلة، يمكن القول إن ملف الصحراء يعيش مرحلة حاسمة تتطلب اليقظة والحكمة والقدرة على استثمار الفرص المتاحة، وتحويل هذا الزخم إلى حل نهائي ينهي عقودا من النزاع ويفتح صفحة جديدة من التعاون والتنمية في المنطقة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.