فتحت مكاتب الاقتراع أبوابها، اليوم الأحد في البرتغال، إيذانا ببدء الانتخابات التشريعية المبكرة التي ستحسم مسألة استمرار تحالف اليمين الديمقراطي في قيادة الحكومة في ظل تقدمه عن الحزب الاشتراكي في آخر استطلاعات للرأي، مع ترقب تعزيز اليمين المتطرف لموقعه كثالث قوة سياسية في البلاد.
ويتوجه أزيد من 10,850 مليون ناخب برتغالي إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لاختيار نوابهم الـ 230، وتتنافس 21 قوة سياسية على الانتخابات البرلمانية التي تجري وفقا للنظام النسبي، من ضمنها حزب تأسس هذه السنة.
ويجري التصويت من الثامنة صباحا حتى السابعة مساء في 22 دائرة انتخابية.
في مارس 2024، تمكن التحالف الديمقراطي اليميني، بقيادة الحزب الاجتماعي الديمقراطي، من تشكيل الحكومة بعد فوزه في انتخابات سابقة لأوانها، نظمت على خلفية استقالة رئيس الوزراء الاشتراكي أنطونيو كوستا، على إثر قضايا فساد طالت أعضاء في فريقه الحكومي.
غير أن هذه التجربة لم تدم طويلا، إذ سرعان ما بدأت مؤشرات التصدع تظهر على أداء الحكومة، خاصة في ظل فشلها في التعاطي مع عدد من الملفات الحيوية، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين. وقد أدى تفجر فضيحة تضارب مصالح طالت رئيس الوزراء نفسه إلى أزمة ثقة حادة، دفعت البرلمان إلى حجب الثقة عن الحكومة، لتدخل البلاد مجددا في دوامة عدم الاستقرار.
وفي هذا السياق، تكتسي هذه الانتخابات طابعا مصيريا، ليس فقط من حيث إعادة تشكيل الخريطة الحزبية، وإنما أيضا من حيث تحديد مستقبل البلاد السياسي. فالجمعية الوطنية الجمهورية (البرلمان) الجديدة ستكون مطالبة بإفراز حكومة قوية، قادرة على الاستجابة لمطالب الشارع، غير أن ذلك يصطدم بتعدد الأحزاب وتضارب البرامج، ما يجعل من التوافق مهمة بالغة الصعوبة.
وفي غضون ذلك، دعا رئيس الجمهورية مارسيلو ريبيلو دي سوزا، ليلة أمس السبت، البرتغاليين إلى التصويت بكثافة في الانتخابات البرلمانية “من أجل مستقبل البرتغال”، معتبرا أنه ” في عالم اليوم، الذي يتسم بتعقيدات متزايدة، يصبح العزوف عن المشاركة، وعدم اتخاذ القرار، أو الامتناع عن التصويت، أقل مبررا من أي وقت مضى، حتى بالمقارنة مع استحقاقات انتخابية سابقة”.
وأكد مارسيلو ريبيلو دي سوزا في كلمة متلفزة عشية الانتخابات التشريعية، أن “التصويت في هذا الوقت ي سهم في تحقيق الاستقرار وسط عالم يعاني من التوترات”، قائلا إن السياق العالمي في سنة 2025 “يختلف جذريا” عن عالم 2024، لاسيما مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وما ترتب عنها من تغييرات في العلاقات الدولية، خاصة مع أوروبا وروسيا والصين.
ومنحت أحدث استطلاعات للرأي الأفضلية لتحالف اليمين الديمقراطي بفارق 8 نقاط عن الحزب الاشتراكي، مع ارتفاع عدد الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم من 17 بالمائة إلى 19 بالمائة.
وأظهر استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة “بيتاغوريكا” لحساب صحف “جورنال دو نوتيسياش”، و”تي إس إف”، و”سي إن إن برتغال”، أنه من المتوقع أن يحصل تحالف اليمين، الذي يضم كلا من الحزب الاجتماعي الديمقراطي وحزب الشعب وحزب الشعب الملكي، على 34 بالمائة من الأصوات، في مقابل 26 بالمائة للحزب الاشتراكي، و19 بالمائة لحزب اليمين المتشدد “شيغا”.
ويواجه الحزب الاشتراكي الذي يقوده بيدرو نونو سانتوس احتمال تحقيق أسوأ نتيجة انتخابية له منذ تسعينيات القرن الماضي، وذلك بحسب نتائج هذا الاستطلاع الذي نشرت نتائجه أول أمس الجمعة.
وتتجاوز رهانات الانتخابات الحالية مسألة تشكيل حكومة جديدة، لتطرح تساؤلات أعمق حول قدرة الطبقة السياسية على تجاوز منطق الصراعات الحزبية، وإبداء قدر كاف من المرونة لتفادي العودة إلى حالة الجمود السياسي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.
كما تشكل هذه الانتخابات أيضا فرصة للناخبين لإعادة تقييم اختياراتهم السياسية، والنظر إلى مستقبل البلاد من منظور يتجاوز الانتماءات التقليدية.
وفي المجمل، تمثل انتخابات ماي 2025 مفترق طرق حقيقيا في التاريخ السياسي للبرتغال، وستكون بمثابة اختبار لقدرة الديمقراطية البرتغالية على تجديد نفسها، وتجاوز ما ي نظر إليه باعتباره مأزقها البنيوي، نحو أفق أكثر استقرارا ونضجا.