أكد مشاركون في جلسة نقاش نظمت، اليوم السبت بمراكش، في إطار أشغال الدورة الثالثة للمنتدى البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأورومتوسطية والخليج، أن المغرب، بفضل موقعه الجغرافي وسياساته الاقتصادية ومؤهلاته المتنوعة، يتميز بقدرته على الاضطلاع بدور محوري في تعزيز الاندماج القاري.
وأبرز المتدخلون أن المغرب، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، استطاع بفضل بنياته التحتية المتطورة، وخياراته الاقتصادية المنفتحة، واستقراره السياسي، أن يتحول إلى منصة إقليمية للتبادل والتعاون، لا سيما في سياق عالمي يتسم بإعادة تشكيل موازين القوى الاقتصادية والسعي إلى تنويع الشراكات وتعزيز سلاسل القيمة المشتركة.
في هذا الصدد، قال الخبير في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد والوزير السابق، فتح الله ولعلو، إن الموقع الجغرافي للدول يشكل عاملا محوريا في تحديد سياسات الاستثمار والتوجهات الاقتصادية، مشيرا إلى ان المغرب يعد البلد الإفريقي والعربي الوحيد المطل على كل من الواجهة الأطلسية والمتوسطية، وهو وضع يتقاسمه فقط مع إسبانيا وفرنسا.
وأضاف السيد ولعلو أن المغرب ظل، على امتداد القرن العشرين وحتى بداية الألفية، منفتحا على العالم عبر المحيط الأطلسي، من خلال موانئ مثل الدار البيضاء (الذي أ نشئ خلال فترة الحماية)، وآسفي، وأكادير، ولاحقا الجرف الأصفر المخصص لتصدير الفوسفاط، قبل أن يتوجه استراتيجيا نحو المتوسط من خلال إطلاق مشروع ميناء طنجة المتوسط، الذي تحول إلى قطب صناعي مهيكل حول منظومات عالمية.
ولفت إلى أن المغرب عاد اليوم إلى المحيط الأطلسي من خلال توجه جديد يرتكز على جملة من الأسس، من بينها دور المغرب كحلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا، إذ توجه نحو 70 بالمائة من مبادلاته التجارية نحو أوروبا بفعل روابط تاريخية وجغرافية متجذرة، في حين يواصل تعزيز شراكاته مع القارة الإفريقية، لاسيما غربها وجنوبها، عبر أبعاد روحية ودينية واقتصادية.
كما يرتكز هذا التوجه، بحسب السيد ولعلو، على التحول الطاقي كاستجابة للتغير المناخي، وهو ما سيمكن من تقليص البصمة الكربونية من الصادرات المغربية والإفريقية نحو أوروبا، عبر الغاز والهيدروجين الأخضر والكهرباء النظيفة.
وأكد أن المغرب سيواصل تعزيز توجهه الأطلسي، دون التفريط في التوجه المتوسطي، مستفيدا من تموقعه الجغرافي الاستراتيجي الرابط بين الضفتين، مضيفا أن انخراط المملكة في الدينامية الأطلسية سيمكنها من الإسهام في إعادة التوازن إلى خارطة الاقتصاد العالمي في مواجهة تصاعد نفوذ المحيط الهادئ، وهو ما من شأنه ترسيخ أسس حكامة جديدة، سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي، في علاقات أوروبا بإفريقيا والمتوسط والعالم العربي.
من جهته، قال خالد الشرقاوي، الكاتب العام لوزارة النقل واللوجستيك، إن سياسة الأوراش الكبرى التي ينهجها المغرب وبنيته التحتية الحديثة، واستقراره السياسي وانفتاحه الاقتصادي، وتنوعه منظومته الإنتاجية والصناعية والفلاحية والخدماتية، وكذا في مجال البحث والابتكار، تؤهل المغرب ليكون قاعدة لوجستية واقتصادية متقدمة تخدم مختلف جهات القارة الإفريقية.
وأضاف السيد الشرقاوي، أن هذه الإمكانات والفرص تستدعي بلورة استراتيجيات مبتكرة لتعزيز التكامل الإفريقي وبناء شراكات مستدامة وتطوير سياسات نقل فعالة تأخذ بعين الاعتبار رهانات التنمية والعدالة المجالية، مشيرا في هذا السياق إلى أنه تماشيا مع التوجيهات الملكية الداعية إلى ترسيخ مكانة المملكة كمركز اقتصادي إقليمي لوجستي يربط إفريقيا بأوروبا والعالم، تم العمل على تطوير منظومة متكاملة من البنى التحتية ذات المواصفات العالمية.
ومن بين هذه المشاريع، يوضح المتحدث، ميناء طنجة المتوسط وميناء الناظور غرب المتوسط، بالإضافة إلى ميناء الداخلة الأطلسي، فضلا عن اعتماد إطار قانوني وتنظيمي محفز للاستثمار، تدعمه دبلوماسية اقتصادية نشطة جعلت من إفريقيا محورا جوهريا في السياسات الخارجية للمملكة، مؤكدا أن المبادرة الملكية الأطلسية ستسهم في بناء دينامية اقتصادية قارية قائمة على التعاون البحري والاستثمار المشترك وتبادل الخبرات.
يشار إلى أن هذه الدورة من منتدى مراكش التي نظمها مجلس المستشارين والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، توخت استكشاف أبرز التحديات والفرص التي تواجه الاقتصاد العالمي، وخاصة في منطقتي الأورومتوسطي والخليج، مع تركيز خاص على العمل التشريعي ودور البرلمانيين في تحقيق التغيير المنشود.
كما توخت إشراك القادة السياسيين والاقتصاديين، والفاعلين في القطاعين العام والخاص، إلى جانب ممثلي الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني، في تشخيص الإشكالات وبحث الحلول الملائمة والبدائل الممكنة لتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري، وتعزيز تدفق الاستثمارات بين دول المنطقتين الأورومتوسطية والخليجية.
ح/س/ومع