عبد العلي جدوبي: يبدو أن الجزائر لم تستوعب بعد أن خيار ” الاستفتاء لتقرير مصير ” الذي ما تزال تتحدث عنه ، خيارا أصبح متجاوزا قبل 25 عاما ! ولا داعي لطرحه من جديد ما دام مرفوضا من الهيأة الأممية ، حيث خلص أمينها العام السابق كوفي عنان في تقريره المؤرخ في 17 نوفمبر 2000 إلى اعتبار ذلك الخيار غير قابل لتطبيق، وهو ما أكده مؤخرا السفير ممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأمم المتحدة عمر هلال خلال المؤتمر الاقليمي الأخير للجنة 24 لمنظمة لمحيط الهادي ، الذي انعقد في ديلي بتيمور الشرقية ايام 21_23 من شهر ماي الجاري..
فلم تعرف قضية محورية من التفاعلات والملابسات مثل ما عرفته قضية الصحراء المغربية لسبب اساسي هو أنها قوبلت منذ البداية من طرف جيراننا الجزائريين بمعاكسة حقوقنا المشروعة.. ومن غير أن نستحضر الملامح الأولى لإذكاء ذلك النزاع المفتعل منذ العام 1975 ، ومن غير أن نستحضر أيضا ملامح الوضع الدولي في تلك الفترة التي شهدت تمرير مخطط إلهاء الدول العربية والافريقية بالخلافات الهامشية : أزمة الخلاف المصري الليبي _ أزمة القرن الافريقي _ أزمة طابا _ التشاد ، فإنه يجدر التذكير بأن الخلاف المفتعل حول قضية الصحراء ليس منفصلا في جوهره عن ذلك المخطط وذلك لاعتبارات أهمها :
إن منطقة المغرب العربي ظلت لفترة بعيدة متحررة إلى حد ما ، من الانعكاسات السلبية للوضع في المشرق العربي ، بل أنها شكلت قبل اندلاع أزمة الصحراء رصيدا هاما بشريا واستراتيجيا كان يمكن استغلاله بصورة أفضل لدعم الموقف العربي.. ولأن منطقة البحر الابيض المتوسط التي يتوق الجميع لجعلها منطقه أمن والسلام وتعاون ، أريد لها ضمن مخطط استنزاف القدرات وإقامة المحاور أن تنشغل بأمور هامشية ، ورأينا كيف أنه كل ما احتد الصراع حول قضية الصحراء المغربية ، كلما وجدت هذه المنطقة نفسها في مواجهة اطماع محورية خارجية ، وأيضا لأن الإمتداد الافريقي للمغرب جنوبا في اتجاه القارة الإفريقية وشمالا في اتجاه اوروبا ، جعله بصورة أو بأخرى يمارس دورا أساسيا في المنطقة ، ولعل لهذا السبب بالذات افتعلت قضية الصحراء في محاولة للحد من التطلعات المغربية المشروعة .
لقد سلكت بلادنا وما تزال فيما يخص ملف الصحراء القنوات القانونية والدبلوماسية والسبل المشروعة للدفاع حقنا واثبات صواب مطالبنا ، وهو ما دفع حكام الجزائر لتصعيد الموقف بغية إحباط كل الحلول الكفيلة لطي هذا الملف نهائيا ، ويبقى الوضع على ما هو عليه من خلال مناورات بئيسة تجاوزتها الاحداث والمستجدات الأخيرة كمحاولة لربح الوقت تحسبا من أن تتبخر كل طموحاتهم العدوانية التي سخروا لها حفنة من المرتزقة ، واقاموا لها معسكرات في تندوف ورصدوا لها ميزانية ضخمة من عائدات غاز الشعب الجزائري .
لقد أكد جميع المغاربه في العديد من المناسبات بقياده الملوك العلويين منذ عهد السلطان الحسن الاول( 1304م) تشبثهم بالأقاليم من دالجنوبية ، كما أن السياسة المتبعة خلال تلك الحقبة كانت تستمد قوتها من الشعور بوحدة وتلاحم الأمة المغربية من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال ، وكانت صحراؤنا حسب الوثائق الرسمية المسجلة لدى الهيأة الأممية تمتد الى حدود نهر السنغال. غير أن الاستعمار الغربي الذي تجددت اطماعه حول افريقيا الغربية اواخر القرن الماضي تدرع بشتى الوسائل للسيطرة على العديد من المناطق التي كانت تحت السيادة المغربية .
وقد استطاع المغرب بفضل تلاحم الشعب والعرش أن يحبط كل الدسائس والمناورات التي كانت تحاك بأقاليمنا الصحراوية توجت العام 1975 كما هو معلوم المشيرة الخضراء التي قادها المغفور له الحسن الثاني باقتدار ، والتي اظهرت للعالم اجمع ماذا تمسك كل افراد الشعب المغربي والتفافه حول قضيته الاولى .
الجزائر عاودت من جديد ادوارها القديمة _ الجديدة والمتعددة لدعم البوليساريو على الصعيدين الدبلوماسي والميداني ، ومن فتره لأخرى تلوح بالخيار العسكري ! وسنجد أن كل الطروحات التي تقدم بها المغرب بهدف تكريس الحل السلمي لنزاع الصحراء ضمن المقترحات التي طرحت انذاك وبطلب من الهيأة الأممية و من بعض الاصدقاء العرب واستجاب لها المغرب ، مثالا للتضحية وعنوانا للإرادة الطيبة لتكريس الحل السلمي وبإيجاد مخرج لائق يتجاوز كل المشاكل القائمة ؛ ولكن بدا واضحا أن الجزائر التي ألحت على إجراء “الاستفتاء وتقرير المصير” كمطلب تعجيزي هي نفسها من نسفته وعرقلت مساعي الأمم المتحدة ، وهكذا دخل هذا النزاع الى النفق، واخذ منعطفا جديدا بعد أن اسقطت الجزائر عن نفسها صفة ( ملاحظ ) في قضية الصحراء عادت وبكل وقاحة لتعلن نفسها مجددا طرفا اساسيا في النزاع المفتعل..!
ولابد من التذكير مجددا أنه بعد اقرار مجلس الامن لمخطط التسوية وتعيين بعتة المينورسو في الصحراء المغربية بادر المغرب بعد ذلك لإطلاق مبادرة الحكم الذاتي في 11 ابريل 2007 لإنهاء هذا الصراع ، لكن حكام الجزائر مرة اخرى واصلوا عرقلة كل مساعي التسوية ، وظل المشكل قائما.
وكان مجلس الامن الدولي قد جدد في اكتوبر من سنة 2020 عبر قراره رقم 2548 قد جدد تاكيد على وجاهه مقترح الحكم الذاتي الذي اعتبره واقعيا مستلهم من الممارسات عبر العالم ومن الاحكام الدستورية ، ويعد افضل المعايير المتعارف عليها دوليا .
وفي قراءات للردود الجزائريه على استفسارات الأمم المتحدة حول الموقف من تطورات القضية ، يكمن الاصرار على اجتهادات تتعارض وحقائق الملف من ذلك القول بتعارض القانون الدولي مع منطق الحقوق التاريخية، وفي ذلك التجاهل لمبدأ وحدة وسيادة الدول الذي يكون سابقا (لتقرير المصير ) فالحقوق التاريخية اذا كان تعني بانه لم يكن هناك أي وجود للكيان وهمي في الاقاليم الجنوبية للمغرب بمعزل عن وحدة الكيان المغربي ، فإنها تنتصب اكبر شاهد على أن مبدأ تقرير المصير في حد ذاته لا يمكن اعتمادهم مبررا لتفتيت وحدة البلاد ،
وبالتالي فالتأكيد على الحقوق التاريخية يرتبط بحقوق قانونية وحضارية ، ذلك فإن تأكيد جلالة الملك محمد السادس حول اعتراف مجلس الامن الدولي بشرعية سيادة سياده المغرب على الصحراء المغربية، هو تكريس لمسار واقع يندرج في عمق ممارسة المغرب بدوره الوطني في الدفاع عن السيادة ، في حين أن كل الكلام الجزائري عن شعب الصحراء سابق لفكرة تقرير المصير في حد ذاته ! وطابع المفارقة هنا أن الجزائر تتحدث عن التمسك بحق تقرير المصير لكنه في الوقت ذاته طرحت هذه الفكرة حتى قبل الاستشارة الأممية ذات العلاقة بهذا الملف ! .
فكيف يمكن الحديث عن شعب قبل الاستفتاء ؟ بل أن ما ترغب الجزائر في تجاهله هو أن (الاستفتاء) حين طرح كحل سياسي للملف ، كان بهدف المعالجة السياسية للتورط الجزائري وفك الحصار عن الرعايا المغاربة المحتجزين في تندوف ، ولم يكن له هدف آخر .. وحتى مسألة تجديد من هم المؤهلون للمشاركة في الاقتراع ، كان الاتجاه نحو آليات تحديد الهوية، بما يعنيه ذلك من أن “شعب الصحراء” لا وجود له إلا في مخيلة معاكسي المشروعية ،
ولو تم التسليم سياسيا وقانونيا بوجود هذا الشعب لما كانت هناك حاجة لأي استفتاء لو أن الانفصاليين الذين تأويهم الجزائر كانوا يمثلون الصحراويين لما كان هناك الإصرار على عملية تحديد الهوية التي تعرف الجزائر أكثر من غيرها كيف أنها تعرضت للتشويه والاقصاء والتميز ! ولو أن أية مجموعة بشرية تتوفر على خصوصية معينة أصبح ينظر اليها بمثابة ” شعب ” لكانت الجزائر مقسمة و في مقدمة ضحايا النزاعات الإنفصالية ، بل أن رفضها لصيغة الحل السياسي الذي اقره المجتمع الدولي في التعامل مع تطورات قضية الاقاليم الجنوبية للمغرب، يرتبط برفض داخلي خصوصا في ضوء تزامنه مع انفلات الأوضاع الأمنية في مناطق القبائل بالجزائر وغيرها