حين تُهدى السعادة للغير وتُحجب عن أهل الأرض .. الوادي السعيد... حزينٌ على أهله! | حدث كم

حين تُهدى السعادة للغير وتُحجب عن أهل الأرض .. الوادي السعيد… حزينٌ على أهله!

0
10/07/2025

* خديجة الكور: عرفت منطقة آيت بوكماز، الواقعة على السفوح العليا لجبال الأطلس بإقليم أزيلال، اليوم مسيرة احتجاجية استثنائية في رمزيتها وكثافتها، شارك فيها الآلاف من سكان القبائل الجبلية المحيطة، رافعين أصواتهم من قلب الصمت العميق الذي طال مغرب الجبل، أو ما يُعرف بالمغرب المنسي.
لم تكن المسيرة مجرد خروج جماهيري للمطالبة بحقوق معيشية، بل كانت تعبيرًا جماعيًا عن مفارقة مؤلمة: منطقة تُلقب بـ”الوادي السعيد”، la vallée heureuse وتُقدم في الخطاب السياحي كمصدر للبهجة والجمال، بينما يعيش أهلها أقصى درجات التهميش والحرمان.

هذا التناقض الصارخ بين الصورة النمطية التي تُرسم عن المنطقة، وواقعها المعيش، يطرح أسئلة جوهرية حول العدالة المجالية والتنمية الترابية. فآيت بوكماز، المعروفة بطبيعتها الخلابة وتنوعها البيئي والمائي، وبإرثها الثقافي الأمازيغي العريق، ظلت عبر الزمن خزانا للتقاليد الجبلية الأصيلة، وفضاءً حيويًا للحكاية الشعبية وفنون العيش المرتبطة بالأرض والمناخ القاسي. ومع ذلك، لم تنل من مشاريع التنمية سوى الفتات، وظل سكانها يكابدون يوميًا من أجل الوصول إلى أبسط مقومات العيش الكريم .

في ظل غياب رؤية مندمجة لتنمية المناطق الجبلية، تعيش ساكنة آيت بوكماز أوضاعًا تنموية هشة للغاية. الطرق غير المعبدة، والمسالك المنقطعة شتاءً، وانعدام النقل العمومي، تجعل من التنقل مغامرة يومية، خصوصًا للنساء والتلاميذ. أما المؤسسات التعليمية، فتعاني من الخصاص البنيوي، وضعف التأطير، وانعدام الداخليات، مما يدفع العديد من الأسر إلى تزويج بناتها مبكرًا. الوضع الصحي ليس أفضل حالًا، فالمراكز الطبية القليلة تفتقر للتجهيزات والموارد البشرية، ويضطر السكان إلى قطع ساعات طويلة من المشي للوصول إلى أقرب مستشفى، ما يؤدي أحيانًا إلى وفيات كان من الممكن تفاديها.

هذه الهشاشة البنيوية عمّقت من ظواهر اجتماعية مقلقة، على رأسها البطالة المستشرية في صفوف الشباب، وارتفاع نسب الهجرة نحو المدن أو الخارج، وتراجع الثقة في مؤسسات الوساطة، ما يفتح الباب أمام أشكال تعبير بديلة، منها الاحتجاجات الميدانية. مسيرة اليوم جاءت بعد تراكم طويل من الشعور بالإقصاء، وغياب الأفق، وتدهور جودة الحياة، ما دفع الآلاف من سكان المنطقة إلى كسر جدار الصمت، والخروج في مسيرة سلمية منضبطة، مؤطرَة من طرف نشطاء المجتمع المدني المحلي، ورافعَة لمطالب واقعية لا تتعدى حدود الكرامة.

المطالب التي رُفعت اليوم تمحورت حول فك العزلة الطرقية، وتأهيل البنية التحتية، وتوفير خدمات التعليم والصحة، وخلق فرص اقتصادية تستثمر في المؤهلات الفلاحية والسياحية للمنطقة. كما عبّر المحتجون عن رغبتهم في إدماج منطقتهم في السياسات العمومية الكبرى، خصوصًا المرتبطة بالدولة الاجتماعية، وبرامج محاربة الفوارق المجالية والاجتماعية.

ما حدث في آيت بوكماز لا يمكن عزله عن السياق الوطني الأوسع، حيث تتكرر صرخة الجبل في مناطق عديدة، من الريف إلى الجنوب الشرقي، وكلها تنادي بالحق في العيش الكريم، والإنصاف المجالي، وربط القول بالفعل في ما يخص العدالة الاجتماعية. في ظل هذا الواقع، تبدو الدولة مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة نموذجها التنموي في علاقته بالوسط القروي والمجال الجبلي، بما يضمن مقاربة شاملة، تراعي الكرامة والخصوصيات، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد، يجعل من “السعادة” قيمةً موزعة بعدل بين كل جهات الوطن، لا حكرًا على المدن والسواحل.

آيت بوكماز، ذلك “الوادي السعيد” في الخطاب الرسمي، لا يزال حزينًا على أهله. والسعادة، لكي تكون وطنية حقًا، يجب أن تشمل من يزرعونها ويحمونها، لا أن تبقى امتيازًا لزوار عابرين.
* رئيسة منظمة النساء الحركيات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.