تميز الخطاب الملكي لعيد العرش المجيد لهذه السنة حيث خصص الخطاب جزءا مهما للحديث عن الجانب الإقتصادي ، كما أن الخطاب الملكي أكد على تعزيز مقومات الصعود الاقتصادي والاجتماعي، طبقا للنموذج التنموي
الجديد، وبما أن النموذج التنموي الجديد يطرح نماذج تنموية جديدة مندمجة كلما دعت الضرورة إلى ذلك ، بحيث يمكن إدراج برامج جديدة في سياق البرنامج الحكومي التفصيلي السنوي بناء على الميزانيات المتوفرة كل سنة التي تتغير من سنة لأخرى حسب المعطيات المناخية وحسب التحولات الاقتصادية الدولية ، وبما أن الخطاب الملكي قد أشار بعد تشخيص عميق للوضعية الإقتصادية ببلادنا إلى وجود سرعتين للتنمية في المغرب، وقرر جلالته بأنه لامكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين متباعدتين ، ففد أمر جلالته بوضع مخطط إستدراكي وذلك بإعتماد (…..جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية…)،حيث قال جلالته (….ولهذه الغاية، وجهنا الحكومة لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية) بمعنى أن التوجيه الملكي كان للحكومة وهو سياق دستوري محض لالبس فيه ،
كما أن اللقاء الموسع الذي جمع عددا من أعضاء الحكومة بولاة وعمال المملكة ضمن الاجتماع الذي نظمته وزارة الداخلية بعد الخطاب مباشرة يعتبر عملا حكوميا ، لأن وزارة الداخلية هي جزء من الحكومة وهي المشرفة على الجماعات المحلية دستوريا بإعداد البرامج بما فيها الجيل الجديد من برامج التنمية ، وبالتالي فإن مذكرة السيد وزير الداخلية تأتي في هذا السياق ، بالإضافة إلى أن مذكرة وزير الداخلية هي ذات صبغة تقنية من أجل التنسيق والأسراع بتنزيل الجيل الجديد من التنمية، لأن وزارة الداخلية تشرف على المجال الجغرافي للتنمية على خلاف باقي الوزرات فضلاً عن قدرة وزارة الداخلية على تنفيذ القرارات بشكل سريع وفعال لتوفرها على الجانب اللوجستي الميداني لتدارك الفوارق المجالية والإجتماعية، لأنه من المتعارف عليه أن وزارة الداخلية تؤطّر عملها دائما بمذكرات في مجالات متعددة سواء المتعلقة بالتنمية الاقتصادية أو بغيرها وأعتقد أن إقتراب العد العكسي للإنتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2026, يتطلب تنزيل جيل جديد من التنمية الحياد التام في عملية التنزيل ،
وعليه فإن تكليف وزارة الداخلية ببرامج الجيل الجديد يدخل في الإعداد السليم المحايد للإنتخابات البرلمانية المقبلة، نظرا للتجاوزات التي تتم من طرف بعض أعضاء الجماعات المحلية بسبب توظيف أي عمل تنموي محلي من أجل الإنتخابات، وقد نبهت وزراة الداخلية من أي محاولة لاستغلال هذه البرامج التنموية في أغراض انتخابية أو سياسية ضيقة، مشيرا إلى أن الهدف الأسمى يتمثل في خدمة المواطنين وتحقيق التنمية المتوازنة، وليس تحويل هذه المشاريع إلى أدوات للتنافس السياسي .
. إن الدستور المغربي في فصله (42) ينص على أن ( الملك، رئيس الدولة……يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي ) ، وبالتالي احترام الدستور ثابث لايمكن الحديث عنه أو خلق تأويل بعيد كل البعد عن منطوق الدستور الصريح .
كما أن الفصـل (49)، ينص (يتداول المجلس الوزاري في القضايا ونصوص متعددة منها النصوص التالية :
– التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة
– التوجهات العامة لمشروع قانون المالية
والتنمية المحلية مرتبطة بشكل مباشر بقانون المالية الذي يعرض كل سنة أمام أنظار جلالة الملك، وعليه فأوامر جلالته بخلق سرعتين موازيتين للتنمية ببلادنا سوف يتم لتصريف التمويلات اللازمة خارج الطرق البيوقراطية و هو السبيل الوحيد لتنزيل جيل جيد من برامج التنمية سريعة وبعيدا عن مواعيد الانتخابات التشريعية المقبلة وما بعدها ، لأنه لايمكن أن نوقف عجلة التنمية لمدة سنتين بسبب الإنتخابات والمغرب له رهانات كبيرة داخلية وخارجية، بالإضافة إلى أن تدارك الفرق بين السرعتين في تحقيق التنمية هو الذي أدى إلى ضرورة توفير جيل جديد من البرامج المندمجة التي تعود سريعا بالنفع على المواطنين ، كما أن الفصـل (145)،ينص على مايلي :
(يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية.
. يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية.
يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وهكذا نجد أن إشراف وتنفيذ البرامج التنموية قديمة أو جديدة بخصوص الجماعات المحلية يشرف عليها الولاة والعمال دستوريا ، وبالتالي تبقى طرح مسألة دستورية مذكرة وزارة الداخلية من عدمها الخاصة بإعداد جيل جديد من البرامج التنموية فيها عدم استعاب لمنطوق وروح الدستور المغربي ، لأن المذكرة تأتي في سياق دستوري طبيعي لخدمة التنمية الشاملة ببلادنا .
+ د. الحسن عبيابة.. أستاذ جامعي ووزير سابق