تقاس عظمة الأمم باسهاماتها في صناعة الحضارة الانسانية على مر العصور وفق ركائز ثابتة ومبادئ راسخة بوعي جماعي في مجالات صناعة المعرفة ارتكازا على كافة العلوم الانسانية والطروحات الفكرية ومجالات الفلسفة ، في انسجام تام مع الذات ومع المحيط واحترام الذكاء الجماعي والفردي للمجتمعات ..
وقد مرت الانسانية في شتى مراحل حياتها بالعديد من المطبات والانكسارات والكوارث ..منها ما كان للبشر يد فيه كالحروب والنزاعات المدمرة ، ومنها ما تكفلت به الطبيعة ..الا أن ما جاء به البشر أكبر مما جاءت به الطبيعة في هذا الصدد .
فقد شهدت كافة المراحل التاريخية للانسان منذ بداية الوعي بانسانيته محطات ادراكية وفكرية وابداعية ساهمت في بناء الحضارة ..وكان للعلوم والأداب والفلسفة البصمة الواضحة في هذا البناء بعيدا عن التجاذبات المؤدية الى العنف المؤدي بدوره الى الافناء والغاء الأخر ..ويصطلي الراهن البشري بسيادة التفاهة في جل مناحي الحياة جراء الزحف المتزايد للتكنولوجيا وانغماس العقل البشري في متاهاتها تائها بين الافتراضي وبين الواقعي غير مدرك للخطر المحدق به والتداعيات المترتبة على ذلك بوتيرة متزايدة في اتجاه الفراغ والالهاء عن الاهتمام بالقضايا الحقيقية للإنسان، من قبيل الفقر والمجاعة والاضطهاد والعنف والتطهير العرقي ..وكل ما من شأنه زيادة التوتر والدفع بالعالم الى هاوية سحيقة لا تنفع معها التكنولوجيا الغير مستعملة فيما ينفع الناس ..هذا التوتر والعنف اللذين يؤثران سلبا على انسانية الانسان ليجد نفسه أسير تعليمات ما يسمى بالذكاء الاصطناعي والذي قد يكون أخر مسمار في نعش انسانية الانسان وادراكه وعفويته وتلقائيته.
وقد سبق هذا الذكاء تسونامي من التفاهة والغباء والميوعة والاسفاف والاستهتار بالقيم في مواقع التواصل والتي تنعث ظلما بالاجتماعي في الوقت الذي تعمل هذه المواقع على تشتيت الانتباه الاجتماعي وتفتيت ما تبقى من لبنات الصرح الاجتماعي لتسود التفاهة بكل أشكالها كروتين يومي يؤدي الى التيه في متاهات الفراغ والفردانية.
محمد بلغازي