المغرب يوقع على "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية" بهانوي | حدث كم

المغرب يوقع على “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية” بهانوي

0
26/10/2025

وقع وزير العدل عبد اللطيف وهبي ياسم المملكة المغربية، صباح امس السبت 25 أكتوبر 2025، بالعاصمة الفيتنامية هانوي، على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية، خلال مؤتمر دولي حضره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ، والأمين العام المساعد بالجامعة العربية المكلف بالتواصل احمد رشيد خطابي،  وعدد من وزراء العدل وممثلي الدول الأعضاء.

 ويمثل هذا التوقيع خطوة جديدة في مسار التزام المغرب بتعزيز الأمن الرقمي الدولي ومكافحة الجرائم الإلكترونية العابرة للحدود، التي باتت من أخطر الظواهر التي تهدد السلم والأمن العالميين، بالنظر إلى تطور أساليبها واتساع نطاقها عبر شبكات الإنترنت.

وجاء توقيع المملكة بعد أقل من عام على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذه الاتفاقية في دجنبر 2024، والتي تمثل أول إطار قانوني عالمي شامل يهدف إلى وضع أسس تعاون دولي في مواجهة الجريمة السيبرانية.

هذا الحدث الدولي الكبير الذي احتضنته العاصمة الفيتنامية شهد حضوراً مكثفاً لوفود من مختلف القارات، وسط اهتمام متزايد من المجتمع الدولي بضرورة بناء منظومة قانونية متعددة الأطراف قادرة على التعامل مع تحديات الفضاء الرقمي. وفي هذا السياق، عبّر وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في كلمته خلال الجلسة العامة، عن اعتزاز المملكة المغربية بالمشاركة في هذه اللحظة التاريخية التي وصفها بأنها منعطف حاسم في مسار العدالة الجنائية العالمية، مؤكداً أن الجريمة الإلكترونية لم تعد شأناً محلياً أو إقليمياً، بل أصبحت ظاهرة عابرة للقارات تستغل هشاشة الأنظمة التقنية وضعف التنسيق بين الدول لتحقيق مكاسب مالية أو سياسية أو أيديولوجية.

وأشاد الوزير بجهود الأمم المتحدة في إعداد هذه الوثيقة القانونية، وبالدور الذي قامت به جمهورية فيتنام الاشتراكية في تنظيم هذا المؤتمر وإدارته، مبرزاً أن هذه الاتفاقية تجسد وعياً جماعياً متزايداً بضرورة تقاسم المسؤولية الدولية لمواجهة المخاطر الرقمية.

وأوضح وهبي أن المغرب لم يأتِ إلى هذا التوقيع كمجرد مشارك، بل كفاعل أساسي في بلورة النصوص التي شكلت أساس هذه الاتفاقية، حيث كان من الدول النشيطة منذ المراحل الأولى لمسلسل التفاوض، وساهم بشكل فعّال في صياغة وثيقة التفاوض الموحدة التي شكلت قاعدة العمل، ثم في إعداد النسخة النهائية المعروضة للتوقيع، مبرزا بان

الاتفاقية الحالية تمثل ثمرة جهد مشترك بين خبراء قانونيين وتقنيين من مختلف الدول، وأنها تُعدّ اليوم مرجعاً عالمياً في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية، لأنها تجمع بين البعد الوقائي والردعي، وبين المقاربة القانونية والتقنية، بما يضمن التوازن بين حماية الحقوق الأساسية للأفراد من جهة، وتمكين السلطات من الأدوات القانونية اللازمة لملاحقة المجرمين عبر الحدود من جهة أخرى.

من خلال هذه الخطوة، أكدت المملكة المغربية من جديد مكانتها كدولة رائدة في بناء المنظومة القانونية الدولية الحديثة، مستفيدة من تجربتها الوطنية الغنية في مجال الأمن السيبراني. فقد انخرط المغرب، منذ أكثر من عقد، في مسار إصلاح شامل لمنظومة العدالة والأمن الرقمي، عبر سنّ تشريعات متقدمة في ميدان مكافحة الجريمة المعلوماتية، من بينها القانون رقم 07.03 الذي أضاف فصلاً خاصاً إلى مجموعة القانون الجنائي يتعلق بجرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، ثم تطوير هذه المنظومة عبر اعتماد القانون رقم 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني، الذي أحدث إطاراً مؤسساتياً جديداً لحماية الفضاء المعلوماتي الوطني من التهديدات والهجمات.

كما أن المغرب أسس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، التي تشرف على التنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية والهيئات التقنية لضمان أمن الأنظمة المعلوماتية الحيوية، خصوصاً تلك المتعلقة بالبنيات التحتية الحساسة مثل الطاقة والمواصلات والمالية والإدارة الإلكترونية.

وأشار الوزير وهبي إلى أن اعتماد هذه الاتفاقية في دجنبر الماضي من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة جاء نتيجة إدراك متزايد بأن الجرائم السيبرانية أصبحت تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، حيث تقدر الخسائر الاقتصادية العالمية الناتجة عنها بمئات المليارات من الدولارات سنوياً، فضلاً عن الأضرار الاجتماعية والنفسية التي تخلّفها على الأفراد والمؤسسات.

 ومن بين أبرز مضامين الاتفاقية، النص على تجريم مجموعة واسعة من الأفعال مثل اختراق الأنظمة المعلوماتية، وتزوير المعطيات الرقمية، واستغلال الأطفال عبر الإنترنت، وغسل الأموال الرقمية، وتبادل الأدلة الإلكترونية، مع وضع آليات واضحة لتبادل المساعدة القانونية والقضائية بين الدول الموقعة.

كما تنص الاتفاقية على ضرورة احترام سيادة الدول وحقوق الإنسان أثناء تنفيذ الإجراءات المرتبطة بجمع الأدلة والملاحقة، بما في ذلك ضمان سرية المعطيات وحماية الخصوصية، غير أن هذه الاتفاقية لم تخلُ من النقاشات الدولية، إذ عبّرت بعض المنظمات الحقوقية وشركات التكنولوجيا الكبرى عن مخاوفها من أن تُستخدم بعض بنودها لتوسيع سلطات المراقبة الحكومية على حساب حرية التعبير والخصوصية الرقمية.

وفي هذا السياق، أوضح وهبي أن المغرب يدرك أهمية تحقيق التوازن بين الأمن الرقمي وحماية الحقوق الفردية، وأن التشريعات المغربية الراهنة تراعي هذا التوازن من خلال وضع آليات قضائية دقيقة لمراقبة استعمال الأدلة الرقمية واحترام الحريات المكفولة دستورياً.

وخلال المؤتمر ذاته، شهدت العاصمة هانوي توقيع اتفاقية ثنائية بين المملكة المغربية وجمهورية فيتنام حول المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية، تضمنت 22 مادة تنص على تبادل المعلومات والأدلة واسترداد الأصول، مما يعكس رغبة البلدين في تعزيز التعاون القضائي الثنائي في مواجهة الجرائم العابرة للحدود، خصوصاً تلك المرتبطة بالتكنولوجيا والجرائم الاقتصادية. وتُعد هذه الاتفاقية الثنائية مكملة لاتفاقية الأمم المتحدة، إذ توفر إطاراً عملياً لتفعيل التعاون القانوني بين الدول على المستوى الثنائي في إطار احترام سيادتها الوطنية.

من جانبه، أشاد أحمد رشيد خطابي، الأمين العام المساعد المكلف بالتواصل بجامعة الدول العربية، بالخطوة المغربية، معتبراً أنها تجسد وعياً استراتيجياً بضرورة الانخراط الفاعل في المبادرات الأممية المتعلقة بالأمن السيبراني. واعتبر أن هذه المشاركة المغربية تفتح الباب أمام تنسيق عربي أكثر عمقاً في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية، خصوصاً أن الدول العربية تواجه تحديات متشابهة في هذا المجال، تتعلق بضعف التشريعات الموحدة وتفاوت القدرات التقنية والمؤسساتية.  

ح/م/ش

.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.