فرض طوق أمنيي جزائري محكم حول مخيمات تيندوف .. عشية تصويت مجلس الأمن الدولي على القرار المتعلق بقضية الصحراء المغربية
تعيش مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، منذ أيام، على وقع حالة استنفار غير مسبوقة بعد أن أقدمت ميليشيات جبهة البوليساريو، بتعليمات مباشرة من قادة المرادية، على فرض طوق أمني محكم حول المخيمات ومنع الدخول أو الخروج منها إلا بتصاريح خاصة.
وتؤكد مصادر من داخل المخيمات أن هذه التعليمات جاءت بأمر صريح من السلطات الجزائرية عشية تصويت مجلس الأمن الدولي على القرار المتعلق بقضية الصحراء المغربية، في محاولة يائسة لخلط الأوراق وإرباك المشهد الدبلوماسي بعد سلسلة الانتكاسات التي تلقاها النظام الجزائري على الصعيدين الدولي والإقليمي.
وتشير شهادات متطابقة إلى أن عناصر الجبهة المدعومة من الجيش الجزائري نصبت متاريس ونقاط تفتيش عند مداخل المخيمات، خصوصاً في “السمارة” و“العيون” و“الداخلة”، وشرعت في حملة مداهمات ليلية طالت منازل ناشطين ينتقدون القيادة الانفصالية ويطالبون بتحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة. كما تم اعتقال عدد من الشبان الذين حاولوا تنظيم وقفات احتجاجية ضد الفساد المستشري داخل ما يسمى “وزارة الداخلية” التابعة للجبهة، وضد استمرار احتكار قادة البوليساريو للمعونات الإنسانية وبيعها في السوق السوداء.
ويرى مراقبون أن قرار فرض الحصار يعكس خوف القيادة الانفصالية من اندلاع احتجاجات واسعة، خاصة بعد تداول تسجيلات صوتية ومرئية تظهر أصواتاً غاضبة من داخل المخيمات تنتقد بشدة عبد القادر طالب عمر وإبراهيم غالي وتصفهم بأنهم “بيادق في يد العسكر الجزائري”. هذه التحركات التي كان من الممكن أن تتحول إلى حراك داخلي، دفعت المرادية إلى التدخل المباشر لإخماد أي بوادر تمرد، خشية أن يتزامن ذلك مع النقاش الأممي حول مستقبل النزاع، فيتضح أمام الرأي الدولي أن البوليساريو فقدت السيطرة حتى على من تزعم تمثيلهم.
وفي هذا السياق، يؤكد عدد من المحللين أن النظام الجزائري يسعى من خلال هذه الخطوة إلى تصدير أزماته الداخلية والتغطية على فشله الدبلوماسي، خاصة بعد اتساع دائرة الدعم الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، والتي تعتبرها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أساساً واقعياً للحل. كما يأتي هذا التحرك بعد أن فشلت الجزائر في إقناع مجلس الأمن بتبني مقترحاتها، وبعد أن بات واضحاً أن القرار المقبل سيجدد التأكيد على الواقعية وروح التوافق، وهو ما يشكل انتصاراً جديداً للدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن الوضع داخل المخيمات يزداد توتراً مع تناقل أنباء عن إصابات نتيجة التدخلات العنيفة لميليشيات البوليساريو، وعن حالات اختفاء قسري لناشطين شباب، فيما يلتزم الإعلام الجزائري الرسمي الصمت التام. في المقابل، يواصل النظام محاولاته للتلاعب بالصورة من خلال بث أخبار مضللة حول “الهدوء والاستقرار”، في حين تؤكد شهادات ميدانية أن سكان المخيمات يعيشون حالة من الرعب والترقب، محاصرين بين جدران الرمال، محرومين من أبسط حقوقهم في التعبير والتنقل.
ويُجمع المتتبعون أن ما يحدث في تندوف يفضح طبيعة المشروع الانفصالي القائم على القمع والوصاية، ويؤكد أن سكان المخيمات ليسوا سوى رهائن تستخدمهم الجزائر كورقة تفاوضية في نزاع إقليمي عمره نصف قرن. كما يرون أن تكرار سيناريوهات الحصار والاعتقالات مع كل استحقاق أممي يعكس عمق الأزمة الداخلية داخل الجبهة، ويكشف حجم الهوة بين قيادة تعيش على الامتيازات والمساعدات، وشعب مقهور يبحث عن الخلاص من واقع الاحتجاز والتهميش.
إن مشاهد الحصار هذه تذكّر العالم بأن الوقت قد حان لإيجاد حل إنساني قبل أن يكون سياسياً، يقوم على تمكين سكان المخيمات من حقهم في العودة والعيش الكريم في إطار مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، الذي يشكل اليوم الطريق الوحيد نحو إنهاء هذا النزاع المفتعل وبناء مغرب عربي مستقر يسوده التعاون والتكامل بدل الانقسام والخصومة.