هل سيُبعد القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب “الديناصورات المُفسدة للسياسة” من المشاركة في الانتخابات المقبلة؟ !
احالت وزارة الداخلية على البرلمان مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، وذلك في إطار التحضيرات السياسية والتشريعية للانتخابات التشريعية المتعلقة بمجلس النواب المقررة اجراؤها سنة 2026، والذي يدخل في سياق الإصلاح الشامل الذي تعرفه المنظومة الانتخابية الوطنية، لتعزيز مصداقية العملية الديمقراطية، وضمان نزاهة الترشيحات، والرفع من مستوى الشفافية والالتزام الأخلاقي في الحياة السياسية.
وجاء في المقتضيات الجديدة المتضمنة للمشروع، المنع من الترشح للأشخاص المتابعين على إثر ضبطهم في حالة تلبس بارتكاب جناية أو إحدى الجنح المنصوص عليها في المادة السابعة من القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة، وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية.
ويشمل هذا المنع كل من تورط في أفعال تمس بنزاهة العملية الانتخابية، أو خالف القواعد القانونية المنظمة للحملات والدعاية واستعمال وسائل الإعلام العمومية أو الخاصة لأغراض انتخابية غير مشروعة، حيث .يُعتبر هذا الإجراء خطوة نوعية في سبيل تخليق الحياة السياسية والقطع مع الممارسات التي تسيء إلى سمعة الانتخابات وتؤثر على ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة. فالمشرّع، من خلال هذا التعديل، يسعى إلى جعل الأهلية الانتخابية مرتبطة ليس فقط بالمعايير الشكلية كالجنسية والسن والتسجيل في اللوائح الانتخابية، بل أيضاً بالسلوك المدني والنزاهة الأخلاقية للمترشح. وهو توجه ينسجم مع الرؤية الملكية التي دعت في أكثر من مناسبة إلى ضرورة الارتقاء بالممارسة السياسية وجعلها في خدمة المصلحة العامة، بعيداً عن كل انحراف أو استغلال.
كما يروم مشروع القانون التنظيمي الجديد سد الثغرات التي أظهرتها التجارب الانتخابية السابقة، حيث برزت حالات ترشح أشخاص متابعين في قضايا فساد انتخابي أو مخالفات تمس بالقانون المنظم للحملات، ما خلق نوعاً من الالتباس القانوني وأضعف الثقة في آليات المراقبة. ولذلك، فإن النص الجديد يضع قاعدة واضحة ومُلزمة تقضي بعدم السماح لأي شخص يوجد في حالة متابعة قضائية بسبب ارتكاب جناية أو جنحة انتخابية أن يشارك في المنافسة التشريعية، إلى أن يُبت نهائياً في ملفه من طرف القضاء. ويهدف هذا الشرط إلى حماية نزاهة العملية الانتخابية، وصون مبدأ المساواة بين المترشحين، ومنع أي استغلال للترشح كوسيلة للضغط أو الاحتماء بالصفة البرلمانية.
ومن شأن هذه الإجراءات أن ترفع من مستوى المصداقية الانتخابية، وتكرس مبادئ الشفافية والنزاهة، خاصة وأنها تأتي في مرحلة دقيقة تعرف فيها البلاد تحولات عميقة على المستويين السياسي والمؤسساتي، بعد الخطابات الملكية التي شددت على ضرورة تجديد النخب السياسية وربط المسؤولية بالمحاسبة. ويُتوقع أن يُسهم هذا المشروع في تقليص عدد الطعون الانتخابية مستقبلاً، وفي تحسين صورة المؤسسة التشريعية باعتبارها تعبيراً عن الإرادة الحرة للمواطنين وليست ملاذاً لأي شخص تلاحقه شبهات أو مخالفات قانونية.
ويرى المراقبون أن إدراج هذه المقتضيات الصارمة في مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب يعكس توجهاً سياسياً جديداً يقوم على تطهير المشهد الانتخابي من كل الممارسات غير الأخلاقية، كما أنه يوجه رسالة قوية إلى الأحزاب السياسية لتشديد آليات الانتقاء الداخلي وضمان نزاهة مرشحيها قبل تقديمهم للناخبين، باعتبارها مسؤولة سياسياً وأخلاقياً عن اختياراتها.
وإذا كان البعض يرى في هذه المقتضيات تضييقاً على حرية الترشح، فإن الاتجاه الغالب في الأوساط الحقوقية والسياسية يعتبرها خطوة ضرورية لترسيخ الثقة في المؤسسات المنتخبة وضمان منافسة نزيهة بين جميع المرشحين. فالحياة الديمقراطية، حتى تُمارس في أجواء سليمة، لا بد أن تقوم على قواعد أخلاقية صارمة، وأن تكون الكفاءة والنزاهة هما المعيار الأساس للتمثيل النيابي، لا المال أو النفوذ أو التحايل القانوني.
إن مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25 المتعلق بمجلس النواب يشكل بذلك إحدى أبرز لبنات الإصلاح السياسي المقبل، ويؤشر على مرحلة جديدة من الممارسة الديمقراطية في المغرب، تُبنى على الشفافية والمساءلة وتكافؤ الفرص. وهو جزء من رؤية شاملة لتأهيل المنظومة الانتخابية استعداداً لاستحقاقات 2026، بما يضمن تمثيلية حقيقية تعكس الإرادة الشعبية، ويُعيد الثقة للمواطنين في صناديق الاقتراع، باعتبارها الوسيلة الشرعية والوحيدة لاختيار ممثلي الأمة داخل المؤسسة التشريعية.
ح/ا
 
			 
				