تسليط الضوء على أبرز محطات ملحمة المسيرة الخضراء التاريخية

0

شكل موضوع الأبعاد التاريخية للمسيرة الخضراء المظفرة، والمحطات البارزة في استكمال الوحدة الترابية للمملكة، محور يوم احتفالي، نظمته أمس الأربعاء بالرباط، القوات المسلحة الملكية، بمناسبة الذكرى الخمسين لهذه الملحمة الوطنية.

وشكل هذا اليوم المنظم تحت شعار “المسيرة الخضراء، ملحمة وطنية”، مناسبة جمعت أساتذة جامعيين ومؤرخين في ندوات وورشات موضوعاتية لاسترجاع المحطات البارزة لهذا الحدث الذي خلد في سجلات التاريخ الوطني.

في هذا الإطار، قال رئيس مديرية التاريخ العسكري، اللواء يوسف المهدي، في كلمة خلال افتتاح هذا الحدث، إن هذه المناسبة، التي تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تأتي لاستحضار واحدة من أعظم صفحات التاريخ المعاصر للمغرب، وهو اليوم الذي لبى فيه 350 ألف مغربية ومغربي، من كل جهات المملكة، نداء جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه.

وأضاف أن المشاركين انطلقوا في مسيرة سلمية فريدة، مسيرة الإيمان والوطنية والوحدة، من أجل استرجاع الأقاليم الجنوبية واستكمال ما بدأه جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه.

وأكد اللواء يوسف المهدي، أنه منذ ذلك الحدث العظيم، واصل المغرب بقيادة ملوكه الأفذاذ مسيرة البناء والنماء.

وأبرز أنه بعد أن رسخ جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله دعائم الوحدة الوطنية، جاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده ليواصل المسيرة بعزم وثبات، جاعلا من تنمية الأقاليم الجنوبية ورمزيتها الوطنية ركيزة أساسية في المشروع التنموي الشامل للمملكة.

وفي كلمتها خلال جلسة حول موضوع “البعد التاريخي للوحدة الترابية للمغرب”، أكدت مديرة الوثائق الملكية، السيدة بهيجة سيمو، أن المسيرة الخضراء لم تكن حدثا معزولا، بل تعد تتويجا لمسار طويل امتد لقرون.

وفي كلمتها، قدمت السيدة سيمو لمحة عامة عن السياقات التاريخية والشرعية والدبلوماسية المحيطة بهذه الملحمة الوطنية. كما أكدت أن فصلا جديدا قد فتح في تاريخ المغرب المعاصر، بالانتقال من المسيرة الخضراء إلى مراحل التنمية، ثم إلى مسيرة المغرب الموحد.

وفي هذا الصدد، توقفت عند قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس جعل يوم 31 أكتوبر عطلة وطنية تحت اسم “عيد الوحدة”، مبرزة أنه إجراء يعكس الوحدة الوطنية والترابية التي تعززت تدريجيا على مر الزمن.

من جانبه، ركز المؤرخ والباحث محمد عيسى بابانا العلوي على الصحراء المغربية كحلقة وصل تاريخية وثقافية واستراتيجية بين المغرب وإفريقيا على مر العصور، مؤكدا أن هذه المنطقة أصبحت عنصرا هيكليا للهوية المغربية وإشعاعها القاري.

وقدم السيد بابانا، في كلمته، تحليلا للأبعاد السياسية والجيو-ستراتيجية للصحراء المغربية في العصر الحديث، لاسيما دورها في ترسيخ الوحدة الترابية وتعزيز الدبلوماسية المغربية في إفريقيا.

وأبرز المؤرخ أن الصحراء المغربية لا تعد فقط فضاء للذاكرة والاستمرارية التاريخية، بل كرافعة استراتيجية لمستقبل العلاقات المغربية-الإفريقية، موضحا أن هذا الفضاء يمثل في الآن ذاته إرثا وأفقا، يؤكد دوره التاريخي كجسر دائم يربط المغرب بعمقه الإفريقي.

من جهته، أكد الأستاذ الجامعي بكلية الآداب بالرباط، الجيلالي العدناني، أن العديد من الوثائق تؤكد السيادة المغربية على الصحراء ضمن استمرارية تاريخية وقانونية معترف بها، حتى من القوى الاستعمارية نفسها، وأن هذه الشهادات تثبت أن مغربية الصحراء ليست مطلبا ظرفيا، بل امتداد لحق سيادي راسخ ومعترف به عبر الزمن.

أما الأستاذ الباحث في مديرية التاريخ العسكري بالقوات المسلحة الملكية، حميد الفرخ، فقد توقف عند موضوع الصحراء المغربية في سياق الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمها المغرب مع القوى الأجنبية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مؤكدا أن لهذا الموضوع أهمية دبلوماسية وقانونية وتاريخية كبرى.

وأوضح الباحث أن الوثائق الرسمية الموقعة بين المغرب وهذه القوى في تلك الفترة لم تكن مجرد نصوص تنظيمية للعلاقات التجارية أو الدبلوماسية أو العسكرية، بل كانت تشكل دليلا كتابيا على الامتداد الترابي والسيادة الفعلية للمملكة المغربية الشريفة على صحرائها ومجالاتها البرية والبحرية الجنوبية.

وبناء على ذلك، يؤكد الفرخ أن الوثائق التاريخية المستندة إلى نصوص الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمها المغرب مع القوى الأجنبية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تمثل دليلا موثقا على الجذور القانونية والسياسية العميقة لمغربية الصحراء.

وفي مداخلة له ضمن حلقة نقاشية بعنوان “مسار استكمال الوحدة الترابية للمغرب (1956–1975)”، شدد الأستاذ الجامعي عبد الرحمان بلكورش على أن نموذج استكمال الوحدة الترابية للمملكة يعد حالة تاريخية فريدة من تصفية الاستعمار الناجحة.

وبعد استعراضه لمراحل تصفية الاستعمار ومرحلة “البحث عن الوحدة” خلال عهد جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، ثم القوة الدبلوماسية والسياسية التي ميزت مسار استكمال الوحدة الترابية في عهد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، توقف الأكاديمي عند نهج الاستمرارية وترسيخ المكتسبات الذي تبناه المغرب تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس.

وفي السياق نفسه، أكد الأستاذ الجامعي الحسن بوقنطار أن المسيرة الخضراء تجسد بحق “عبقرية ملك”.

وأوضح أن هذه المسيرة، التي تعتبر حدثا مؤسسا في تاريخ المغرب يجسد إجماعا وطنيا حول قضية مقدسة، وإنجازا ملكيا عبقريا أطلق مسارا لا رجعة فيه لاستكمال الوحدة الترابية للمملكة.

وتشكل هذه الاحتفالية المخلدة للمسيرة الخضراء مناسبة بارزة لتجديد التأكيد، من جهة، على وحدة وتشبث الشعب المغربي بثوابت الأمة الوطنية، ومن جهة أخرى، لتوطيد أسس مغرب حديث ومزدهر تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.

وقد توج هذا الاحتفال بتنظيم معرض موضوعاتي من إعداد مديرية التاريخ العسكري، يجسد البعد التاريخي للوحدة الترابية للمملكة، ويبرز المحطات البارزة التي طبعت ملحمة المسيرة الخضراء، فضلا عن الرؤية الملكية المتبصرة لمستقبل هذه القضية ذات البعد الوطني والدولي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.