طبعت المسيرة الخضراء، تاريخ المغرب المعاصر، بأسلوبها الفريد في المقاومة السلمية والدفاع عن الشرعية، ودحض الاستعمار، فهي رمز للوحدة الوطنية التي جسدها تلاحم الشعب المغربي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية للمملكة.
ويستحضر أبناء الريف هذه الذكرى الوطنية التي يخلدها الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة، بأسمى مظاهر الفخر والاعتزاز، وفي أجواء من الحماس الفياض والتعبئة المستمرة واليقظة الموصولة حول القضية الوطنية الأولى.
وعبر مشاركون في هذه الملحمة، التي كانت محل إشادة العالم بتدبيرها السلمي والحضاري، في تصريحات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء احتفاء بمناسبة الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء، بكثير من الاعتزاز والتصميم عن مدى قوة تلاحم الشعب المغربي، وشراسته في الذود عن أراضيه، والدفاع عن وحدته الترابية، لاسيما من طرف أبناء الريف الذين رفعوا شعار “احنا جينا من الريف واسبانيا تخرج بالسيف”.
واسترجع حميدو سينغال، من مدينة بني بوعياش، شريط ذكرياته متوقفا عند ما وصفه باللحظة التاريخية، التي لبى فيها نداء المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، الذي أعلن عن تنظيم المسيرة يوم 16 أكتوبر 1975.
وقال سينغال إن “الحماس غمره وتملكته مشاعر الاعتزاز والواجب الوطني، بعد أن علم من المسؤولين بمضمون خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، الذي دعا شعبه للقيام بالمسيرة الخضراء لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية، واستكمال التحرر من الاستعمار الاسباني”، مضيفا “أحسست أن الوطن يناديني، وقمت بتحضير العدة اللازمة، برباطة جأش، أنا وباقي الشباب المتحمسين لتلبية نداء الملك … نداء الوطن”.
وأعرب حميدو عن الفخر الذي شعر به، وسط أقرانه بمدينة بني بوعياش، عندما تم تسجيله من طرف السلطات، لتلبية ما وصفه بنداء الوطن، في عز شبابه وهو ابن 19 ربيعا. وقال : إنه كان بين 200 متطوعا من جماعة بني بوعياش، حيث كانت الوجهة الأولى بأن يتم تجميع المتطوعين من كل الإقليم بمدينة الحسيمة، وبعدها الانطلاق باتجاه مدينة تازة، حيث نادى المنادي بصلاة المسيرة، التي رفعت فيها أكف الدعاء للبارئ تعالى، بأن ينصر المغاربة على المستعمر الغاشم، واسترجاع الصحراء.
وأكد حميدو أنه مباشرة بعد صعود المتطوعين للقطار بتازة، تملكته روح الواجب وسيطرت على وجدانه، وهو كله ثقة وعزم، للتضحية في سبيل وطنه، وأرض أجداده، وهي اللحظة التي عاشها مع باقي رفاقه من أبناء الشمال، عندما وصلوا لمدينة طرفاية التي كانت نقطة عبور الحدود الوهمية.
وأضاف حميدو أن لحظات عبورهم الحدود الوهمية لازالت محفورة في ذاكرته، وأكد أن الأسلاك الشائكة المزروعة على طول الحدود الوهمية، لم تنل من عزيمة المغاربة الأحرار، الذين اختاروا التضحية بالغالي والنفيس، وكان سلاحهم هو إيمانهم بوحدة أراضي وطنهم في ظل حكم ملكهم المغفور له الحسن الثاني، وهم ملتحفين بالرايات ورافعين المصاحف ومرددين الشعارات والتكبيرات.
وقال حميدو “ما زلت احتفظ بوسام المشاركة التي تمثل بالنسبة لي قمة الوفاء لهذا الوطن، يغمرني الاعتزاز والفخر كلما تذكرت مشاركتي في خدمة الوطن، في ملحمة المسيرة الخضراء، التي ن ق ش اسمها في تاريخ المغرب المعاصر، وهي تجسد أبهى صور التحام الشعب بملكه في دحض كل المزاعم الاستعمارية، التي كانت تحاك للنيل من أراضي المملكة”.
من جهته أعرب القداري عبد المجيد عن غبطته وسروره بمشاركته كمتطوع في المسيرة الخضراء، تلبية لنداء المغفور له الملك الحسن الثاني، وهو ابن 17 سنة، وقال إنه كان برفقة 2000 متطوع من إقليم الحسيمة، وكلهم كانوا على استعداد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الوطن.
“كل شيء يهون في سبيل الوطن”، يؤكد بكل يقين القداري عبد المجيد، معتبرا أن المسيرة الخضراء، كانت عنوانا لتلاحم أبناء المغرب وتضامنهم في الذود عن أراضيه، ضد كل مستعمر.
وعبر عبد المجيد عن سعادته عندما انطلق مع باقي أبناء إقليم الحسيمة من المكان المسمى “طاح” بطرفاية، للزحف على الحدود الوهمية، غير آبهين بالألم الذي تسببه لهم الأسلاك الشائكة، وهم يحملون كتاب الله وصور الملك المغفور له الحسن الثاني، ويلتحفون الأعلام الوطنية، ويرددون شعارهم البطولي “احنا جينا من الريف واسبانيا تخرج بالسيف”.
وكانت جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، قد انطلقت في السادس من نونبر من سنة 1975 من سائر ربوع الوطن، بنظام وانتظام في اتجاه الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني، بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه.
ح/م