وقد تحولت هذه القضية، التي تتصدر عناوين وسائل الإعلام التركية منذ أيام، إلى حديث الشارع الرياضي في البلاد، في ظل ما تمثله من تهديد مباشر لسمعة كرة القدم الوطنية.
وانفجرت القضية أواخر شهر أكتوبر الماضي، عندما أعلن الاتحاد التركي لكرة القدم أن مراجعة داخلية شملت 571 حكما كشفت امتلاك 371 منهم حسابات مراهنة، فيما شارك 152 حكما فعليا في المراهنات الرياضية، من بينهم سبعة حكام ينشطون في الدوري الممتاز من الدرجة الأولى “سوبر ليغ”.
وفي خطوة أولى، قررت اللجنة التأديبية في الاتحاد إيقاف 149 حكما ومساعد حكم لفترات تتراوح بين ثمانية واثني عشر شهرا، مع استمرار التحقيقات بحق ثلاثة آخرين. وأوضح الاتحاد أن الإيقافات تأتي في إطار تطبيق صارم لقواعد النزاهة والشفافية، مؤكدا عزمه على “تطهير التحكيم من أي ممارسات قد تسيء إلى سمعة اللعبة”.
وأكد رئيس الاتحاد، إبراهيم حاجي عثمان أوغلو، أن “التحكيم مهنة شرف ومسؤولية”، مضيفا أن الاتحاد “لن يتسامح مع أي سلوك يضر بمصداقية كرة القدم التركية”.
وبحسب نتائج التحقيق الداخلي، تبين أن بعض الحكام أجروا آلاف المراهنات خلال السنوات الخمس الماضية، إذ سجلت حالة لحكم واحد قام بوضع 18 ألفا و227 رهانا، فيما تجاوز 42 حكما آخر حاجز الألف رهان لكل منهم.
ولم يوضح الاتحاد ما إذا كانت هذه الرهانات شملت مباريات أدارها الحكام أنفسهم، غير أن القانون التركي يجرم المراهنة غير القانونية على المنافسات الرياضية، ويعاقب عليها بالغرامة أو بالسجن في حال ثبوت نية التلاعب أو التأثير في النتائج.
وبالموازاة مع الإجراءات التأديبية، أعلنت النيابة العامة في إسطنبول، الأسبوع الماضي، توسيع نطاق تحقيقاتها لتشمل فترة خمس سنوات من سجلات المراهنات، بعدما كانت قد أطلقت تحرياتها قبل أشهر بالتعاون مع هيئات مالية وتنظيمية.
وقد أصدرت مذكرات توقيف في حق 21 شخصا، بينهم 17 حكما ورئيس ناد في دوري الدرجة الممتازة، وتم توقيف 18 منهم في عمليات متزامنة شملت 12 ولاية.
وتشير تقديرات أولية إلى أن نطاق التحقيق قد يتسع ليشمل ما يقارب 3700 شخص بين حكام ولاعبين ومسؤولين إداريين وأقاربهم، مع تحليل شامل لتحركات المراهنات خلال السنوات الأخيرة.
وأثارت القضية ردود فعل متباينة داخل الأوساط الرياضية، إذ أعربت أندية كبرى مثل فنربخشة وبشكتاش وغلطة سراي عن قلقها العميق، مطالبة بالكشف العلني عن أسماء المتورطين واعتماد آليات رقابة مستقلة لضمان نزاهة المسابقات.
من جهتهم، نفى عدد من الحكام الموقوفين الاتهامات الموجهة إليهم، وأصدروا بيانا مشتركا أكدوا فيه أنهم “لم يراهنوا على مباريات أداروها”، وأن بعض حسابات المراهنات تعود إلى فترات سابقة عندما كانوا حكاما هواة.
ويرى المراقبون أن الأزمة قد تدفع إلى إصلاحات جذرية في منظومة التحكيم التركي، تشمل تعزيز الرقابة المالية والتدقيق المستقل، واعتماد أنظمة رقمية لتتبع النزاهة، معتبرين أن هذه الفضيحة، التي وصفتها وسائل الإعلام المحلية بـ”أكبر أزمة نزاهة في تاريخ الكرة التركية”، تمثل اختبارا حقيقيا لمتانة المؤسسات الرياضية في البلاد وقدرتها على فرض الشفافية والمساءلة.
كما تؤكد الأزمة، بحسب المتتبعين، الحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين الجمهور التركي، الشغوف بالساحرة المستديرة، والاتحاد التركي لكرة القدم والأندية المحلية، وإطلاق إصلاح شامل يضمن أن تظل المنافسة داخل الملاعب قائمة على الأداء الرياضي وحده، بعيدا عن أي شبهات.
ح:م