محمد أوزين : فجأة اهتزت أركان بيت الأخلاقيات في دواليب المجلس الوطني للصحافة على واقعة فاجعة أخلاقية صدمت الرأي العام الوطني وعمقت جراح مهنة مقدسة يفترض في حماتها تحصين قواعد وضوابط أخلاقياتها بدل ذبحها أمام العلن, وفي غرفة رفع ستارها السري في ظروف غامضة أمام العلن وصارت فرجة على رؤوس الأشهاد.
في هذا الإطار، نسجل أن ما تسرب من تسجيلات حول اجتماع للجنة أساسية داخل مؤسسة المجلس الوطني للصحافة في زمنه المؤقت، منوط بها التأديب وحماية الأخلاق والأخلاقيات, هو نازلة تتطلب فتح تحقيق عاجل للكشف والإحاطة بكل ملابسات النازلة وخلفياتها.
فالأمر لا يتعلق فقط بواقعة خاصة برجل إعلام، بل الأمر أخطر من ذلك، لانه أماط اللثام عن أسلوب سوء الحكامة وكيفية تدبير شؤون قطاع استراتيجي وحساس من قبيل الصحافة والنشر والتواصل.
والغريب أن مقاطع الفيديو المسربة، بغض النظر عن كيفية الفعل وتداعياته القانونية، توثق لممارسات غير أخلاقية في مؤسسة أخلاقية مخول لها ضبط أخلاقيات المهنة في لحظة حسم في ملف ذي صلة بأخلاقيات السلطة الرابعة.
هذه النازلة الخطيرة تؤكد كذلك، في شكلها وعمقها، طبيعة الأزمة البنيوية والوظيفية التي يعيشها المجلس الوطني للصحافة الذي أضحى يعيش فراغا قانونيا بعد استنفاذ حبل التمديد لمداه، وبعد عجز أو تماطل غيرمبرر عن تجديد هياكله منذ ما يقرب ثلاث سنوات. وكذا الاختيار غير المفهوم لبدعة المؤقت شبه الدائم. في انتظار صناعة قانون جديد يحدد مقاسات مغايرة وقواعد جديدة للانتخاب والتعيين.
هذه النازلة المخجلة تسائل كذلك، في الجوهر، فلسفة التنظيم الذاتي المفترى عليه وحدود التماس بين السياسي والقانوني في التأسيس لهذه الاستقلالية في بناء الذات المخولة دستوريا للجسم الصحفي.
كما تسائل النازلة عناد الحكومة وإصرارها المستميت وغير المقنع على تشريع صيغة جديدة لبنية وتركيبة المجلس الوطني للصحافة بعيدا عن قواعد الديمقراطية الداخلية والتعددية الحقة والتمثيلية المنصفة وعدم التمييز بين أصناف المهنة وبين المهنيين والناشرين، وضمان حرية الاختيار في مهنة عنوانها الأصلي هو الدفاع عن الحرية وتحصينها.
ختاما، ولأن هذه النازلة الخطيرة، وبغض النظر عما سيترتب عنها، تشكل في عمقها ضربة أخرى تعمق أزمة الوسائط المؤسساتية ببلادنا.
لهذا، ندعو مرة أخرى الحكومة إلى التريث وبناء رؤية توافقية تنصف جميع مكونات المهنة قبل تمرير قانون المجلس الوطني للصحافة بصيغته التي يرفضها مجمل الفاعلين والمهنيين بالقطاع.
كما ندعو مجددا إلى وقفة جماعية وحوار مؤسساتي موسع وجاد ومسؤول، للعبور بهذه المهنة النبيلة والشريفة من أزماتها الذاتية والموضوعية نحو أفق جديد يبنى على مدخل المراجعة الشاملة للمنظومة التشريعية المؤطرة لهذا القطاع الاستراتيجي. وبلورة سياسات عمومية وحقوقية تضمن الاستقلال الفعلي للصحافة والإعلام بمختلف الأصناف، وتوفر للقطاع مقومات التنظيم الذاتي الفعال والمنشود.
ان الأمر في نهاية المطاف يتعلق بترسيخ نبل الرسالة الاعلامية، وتعزيز أدوارها الاستراتيجية في التأطير وصناعة الرأي وترسيخ مسار المغرب الصاعد حقوقيا وديمقراطيا وتنمويا.
صدق من قال في بلاد الكنانة “يا ما تحت السواهي دواهي”، ولأن الفضيحة بالفضيحة تذكر، ولأن المصائب تأتي تباعا، ولابد من كائنات طفيلية “تدشن” لمسلسل الرداءة والتفاهة، ومن أجل دق ناقوس الخطر المبكر، سبق لي وأن حذرت الوزير الوصي من فساد متعفن، منه ما هو علني وما هو خفي، يرعاه ويستفيد منه أحد الفراقشية الكبار في الإعلام من مروجي التفاهة والفضائح والتشهير بمآسي المغاربة، إلى درجة التلصص على غرف النوم والترويج للانحرافات بشتى أشكالها، في إصرار مرضي على تشويه صورة المغاربة في أنظار العالم.
لقد أسس هذا الكائن، الذي يتطلع إلى الهيمنة على التنظيم الذاتي للصحافة، لنوع ممسوخ من الصحافة باستغلال شباب من بينهم كفاءات فرضت عليهم الظروف الاجتماعية التعامل والتماهي الاضطراريين مع جو الرداءة الذي اختاره الفراقشي خطا تحريريا، يمتص دماءهم ويفرض عليهم مواضيع التفاهة في استخفاف ببند الضمير.
ولأن الزمن كشاف للسرائر وما تبيته من نوايا السوء، فقد غاب موقع الفراقشي عن حراك “شباب زيد”، ولم تتحرك لديه نقرة حاسوب أو عدسة هاتف أو كاميرا لتغطية لحظة الانتصار الوطني الوحدوي بعد قرار مجلس الأمن، لأنه في قرارة نفسه يعتبر أن مثل هذه القضايا الجوهرية التي تهم الوطن غير مذرة للربح كما هي الفضائح ومآسي الناس.
وبهذا النوع من الابتزاز، ولج هذا الكائن نادي أصحاب الملايير، واستحوذ على ملايين الدراهم من الدعم في الإعلام والسينما.
هذا الفراقشي سبق له أن قضى عقوبة سجنية لنشر معلومات خاطئة، وبنية مبيتة، تمس صحة جلالة الملك، وها هو يعود اليوم بدون خجل أو حياء، منصبا نفسه ناطقا باسم الدولة، والدولة منه براء، وباسم القضاء وباسم الأمن وباسم كواكب المجرة. وهو من النماذج الأكثر خطورة على الدولة لأنها تقتات على أعتاب الوطنية بالتخوين والتكفير، ولجم الآخر. وفي غياب أدنى ذرة من المصداقية للدفاع عن الدولة.
هذا الفراقشي المعروف كان يتصدى للمعارضة كلما تجرأت وانتقدت مشروع قانون الصحافة كما فعل مع نبيل بنعبد الله وأوزين وآخرين. الأدهى من ذلك، أنه ينتهج طرقا مافيوزية إسكوبارية صرفه بغية تعبئة وتجييش كل حاقد أو مطرود من التنظيمات الحزبية، فقط من أجل التشهير والضرب في رموز الأحزاب، بل، وهذا هو الأخطر، يتحدث باسم الوزير وأكثر من الوزير في أمور يعد بمنعها وحظرها والتصدي لها كما فعل وهو يهدد بمنع “البرودكاست”.
هذا، وقد كنت وعدت الوزير الوصي والعديد من الإعلاميين أننا سنتصدى لمثل هؤلاء الفراشية الجدد، لأنهم يعتبرون من أكبر رموز الفساد الإعلامي، وهم لا يمتلكون القدرة على تسطير جملة مفيدة قابلة للقراءة. فقط انتظرنا الوقت المناسب، لأن هناك قضايا وطنية كبرى لم نكن نريد التشويش عليها بالتطرق لمواضيع تهم التافهين.
” وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون” صدق الله العظيم.
(يتبع)