جلالة الملك يوجه رسالة إلى رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف
وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة إلى رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف ، السيد كولي سيك، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يحتفل به هذه السنة في 25 نونبر.
وفي ما يلي النص الكامل للرسالة الملكية :
” الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
سعادة السيد كولي سيك، رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
يطيب لي، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أن أتوجه إليكم بصادق عبارات الشكر والتقدير على جهودكم المخلصة والموصولة من أجل تحقيق الأهداف النبيلة للجنتكم الموقرة، مشيدا بما تقومون به من مساع حميدة، على الصعيد الدولي، لنصرة الشعب الفلسطيني الشقيق والتعريف بقضيته العادلة وحقوقه المشروعة.
وإنها مناسبة، نجدد لكم فيها التأكيد على التزام المملكة المغربية الثابت والراسخ بالدفاع عن القضية الفلسطينية، والمساهمة البناءة والفعالة في إيجاد حل عادل لها، باعتبارها الركيزة الأساسية، وحجر الزاوية في بناء أسس السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
لقد عانى الشعب الفلسطيني، على امتداد السنتين الماضيتين، من أوضاع مريرة، فاقت في كثير من الأحيان ما يستطيع الانسان تحمله، من قتل وتشريد وتجويع في قطاع غزة، واعتداءات ومضايقات يومية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ومن منطلق التضامن الثابت مع الشعب الفلسطيني، وتفاعلا مع الكارثة الإنسانية التي حلت به، بادرت المملكة المغربية في خمس مناسبات منذ أكتوبر 2023، إلى إرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة، والتي شملت مواد غذائية ومياه ومواد إغاثية وأدوية ومستلزمات طبية. وقد كان آخرها، الجسر الجوي الذي تم على دفعتين ونقل بموجبه ما يقارب 300 طن من المساعدات الإنسانية، حيث جرى تأمين إيصال تلك المساعدات الإنسانية المغربية عبر طريق بري غير مسبوق.
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
بعد عامين من حرب مدمرة في قطاع غزة، أثمرت الجهود الدبلوماسية الدؤوبة والمكثفة اتفاقا لوقف إطلاق النار نأمل أن تنفذ جميع بنوده ومراحله، بما يمكن من وقف آلة التقتيل، والتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بانسيابية وبالكميات الكافية، ومن ثم الإطلاق العاجل لعملية إعادة الإعمار وفتح الآفاق نحو حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وإذ نرحب بهذا التطور الإيجابي، نعرب عن تقديرنا للمساعي الحثيثة والانخراط الشخصي لفخامة الرئيس دونالد ترامب، الذي كان له الدور الحاسم في بلوغ هذا الهدف النبيل، كما نثمن الجهود المستميتة لكافة الوسطاء.
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
إننا إزاء لحظة فارقة، مفعمة بالأمل في مسيرة الشعب الفلسطيني الطويلة نحو الحرية والاستقلال، وجب استثمار كل فرصها وإمكانياتها، من خلال استمرار التعبئة الإقليمية والدولية لضمان تنفيذ كافة بنود هذا الاتفاق والمضي في جميع مراحله.
والمملكة المغربية، سيرا على نهجها الداعم للسلام، تؤكد استعدادها التام للمساهمة الفاعلة في كافة المراحل والمسارات المتفق عليها في هذا الإطار.
وفي هذا السياق، فإن أي جهد دولي يروم تحقيق سلام عادل ومستدام، يجب، في نظرنا، أن يستند إلى المحددات التالية:
– ضمان وحدة قطاع غزة والضفة الغربية، سياسيا وإداريا، تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، في أفق أن يشكلا معا جزءا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المنشودة، وعاصمتها القدس الشرقية.
– دعم السلطة الوطنية الفلسطينية، تحت قيادة أخي فخامة الرئيس محمود عباس، وتعزيز قدراتها السياسية والإدارية والمالية.
– دعم الاقتصاد الفلسطيني، من خلال رفع القيود المفروضة على حركة البضائع والأموال والأشخاص.
– تشجيع جهود المصالحة الفلسطينية، لضمان وحدة الصف الوطني الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
– إطلاق عملية تفاوض جادة بين الطرفين، وفق جدول زمني دقيق ومحدد، وضمن رؤية حل الدولتين، تكون غايتها إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في أمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل.
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
لا يمكن الحديث عن حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية دون معالجة جادة ومسؤولة لقضية القدس الشريف، لما تمثله المدينة المقدسة من رمزية قوية وحساسية عالية.
وإدراكا لهذا البعد، نواصل، بصفتنا رئيس لجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، الجهود الحثيثة من أجل صون طابعها الحضاري الأصيل والحفاظ على وضعها القانوني والدفاع عن حرمة مقدساتها الإسلامية والمسيحية، وذلك من خلال المزاوجة ما بين التحرك الدبلوماسي والعمل الميداني مجسدا في المشاريع الاجتماعية التي تنفذها وكالة بيت مال القدس الشريف.
ولا يسعنا، في هذا الصدد، إلا أن نعبر عن انشغالنا العميق إزاء تصاعد الإجراءات الاستفزازية الإسرائيلية الأحادية الجانب في مدينة القدس، والانتهاكات المتكررة لحرمة المسجد الأقصى، وهي تجاوزات خطيرة ما فتئنا نحذر من عواقبها الوخيمة، والتي تساهم في تأجيج خطاب التطرف والكراهية، على حساب صوت الحكمة والاتزان، وهي ممارسات تنذر، إذا استمرت، بأن تدخلنا في دوامة صراع ديني، قد يشعل، لا قدر الله، المنطقة برمتها.
وفي الوقت الذي تتركز فيه أنظار العالم على التطورات الإيجابية الأخيرة للأوضاع في قطاع غزة، بعد وقف إطلاق النار، تعيش الضفة الغربية واقعا لا يقل مأساوية وخطورة بفعل توسيع الاستيطان وتكثيف الاعتداءات اليومية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، بغرض تهجير السكان الآمنين، في أفق فرض الضم الفعلي والقانوني، بما سينسف الأساس المادي لحل الدولتين.
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
إن الزخم العالمي المتزايد المؤيد لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة في إطار حل الدولتين، والذي تجسد في سلسلة الاعترافات الدولية المتواصلة بدولة فلسطين، يعزز الدينامية التي أطلقها التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، بمبادرة من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية، ويعكس القناعة المتنامية بأنه لا بديل عن هذا الحل، ولا مجال لمزيد من المماطلة في تنزيله على أرض الواقع.
وانخراطا في هذه الدينامية ودعما لها، احتضنت المملكة المغربية، في شهر ماي 2025، الاجتماع الخامس للتحالف الدولي من أجل تنفيذ حل الدولتين، وذلك بشراكة مع مملكة الأراضي المنخفضة.
لقد بات حل الدولتين، إذن، مطلبا آنيا تفرضه الواقعية السياسية، فضلا عن بعده الإنساني والأخلاقي المتمثل في إنصاف شعب حرم، ولعقود، من حقوقه السياسية المشروعة ومن كرامته الإنسانية المكفولة بكل القوانين السماوية والوضعية.
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
إن المملكة المغربية، ومن منطلق إيمانها الثابت والمتجذر بمركزية وعدالة القضية الفلسطينية، وتشبثها بخيار السلام العادل، وحرصا منها على استثمار الزخم الإيجابي الناجم عن اتفاق وقف إطلاق النار، تؤكد استعدادها للانخراط في الجهود الدولية الرامية لتهيئة الظروف لإحياء مسار السلام في الشرق الأوسط، ضمن معايير واضحة وأفق زمني معقول، بعيدا عن منطق تدبير الأزمة، بما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار لجميع شعوب المنطقة.
وفي الختام، أجدد شكري الخالص لأعضاء اللجنة الأممية الموقرة، مهيبا بهم لمواصلة جهودهم الصادقة لحشد الدعم الدولي لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ضمن منظور يسعى للمساهمة البناءة في التوصل إلى سلام عادل ودائم، على أساس حل الدولتين.
وفقكم الله وسدد خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته “.