د.جمال المحافظ: بتنظيمها لورشة حول التغطية الإعلامية للتظاهرات الرياضية الكبرى واحترام حقوق الإنسان: الوقاية من التمييز ومكافحة خطاب الكراهية، تكون المندوبية الوزارية المكلف بحقوق الإنسان، قد فتحت نقاشا ظل لحد الآن محتشما حتى لا يقال غائبا، حول قضايا مدى الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان بمناسبة تحضير وتنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى وفي مقدمتها مونديال 2030 الذي يحتضنه المغرب بمعية كل من اسبانيا والبرتغال، وقبله كأس افريقيا للأمم الذي تحتضنه المملكة ما بين 21 دجنبر 2025 و18 ينايرالذي يكاد يكون بمثابة بروفة تسبق كأس العالم المنظم بشكل مشترك ببلدان بقارتي افريقيا وأوربا.
رافعة حقوقية
ففي افتتاح هذه الورشة الأربعاء 26 نونبر الجاري بالدار البيضاء، ناشد محمد الحبيب بلكوش، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، كافة الفاعلين إلى مواصلة التعبئة الجماعية لتحويل المحطات الرياضية إلى رافعة حقيقية لحقوق الإنسان، داعيا المؤسسات الوطنية والجمعيات الرياضية ووسائل الإعلام والمجتمع مدني وجمعيات المشجعين، والشركاء الدوليين، إلى جعل المحطات الرياضية الكبرى رافعة حقيقية لحقوق الإنسان والتنمية على ” أساس أن تكون الصحفيات والصحفيون شركاء استراتيجيون من خلال تغطية إعلامية تعزّز قيم المساواة، والإنصاف، والاحترام المتبادل، والتسامح، والتعددية والاختلاف، والحوار والتعاون”.
وإذا كان من المشروع التساؤل عن كيف يمكن للصحافيين بصفة عامة والرياضيين بصفة خاصة، أن يساهموا في ترسيخ مبادئ حقوق الانسان، وإشاعة قيم التسامح والاحترام المتبادل في مكافحة خطاب الكراهية خلال التظاهرات الرياضية القارية والعالمية من قبيل المونديال؟ فإن ذلك يرتبط بالدرجة الأولى بمدى التوفر على سياسة إعلامية عمومية واضحة المعالم مسنودة بإرادة راسخة، تجعل من الاستثمار في العنصر البشري رافعة لتحقيق التنمية المستدامة بأبعادها المتنوعة، وهو ما قد يساهم في الارتقاء بمستوى الصحافة وميديا الاعلام حتى تقوم بعملها المهني والرفع من الوعي الرياضي والمجتمعي بالمخاطر الناجمة عن خطاب الكراهية والعنصرية وعدم التسامح والتمييز، ونبذ الشعبوية.
قوالب نمطية
غير أن تحقيق هذا الهدف يتطلب أن يتلقى الصحفيون المغاربة تداريب مكثفة، لتحديد خطاب الكراهية ومكافحته بعد ذلك، بشكل فعال خاصة لدى قيامهم بتغطية ومواكبة مختلف الأحداث الرياضية، من خلال تركيز هذه التكوينات على التقنيات المرتبطة بالتعرف على القوالب النمطية الإعلامية والتواصلية الضارة ومنع انتشارها، مع توخي الحذر من المحتويات التي تحض على الكراهية أو التمييز، بسبب الجنس و اللون و المعتقد، فضلا عن التسلح بالممارسات الفضلى في مجال مكافحة هذه الآفات في مجمل الأنواع الرياضية، مع الاستفادة من الخبرات الأحنبية المتقدمة، والممارسات الفضلى.
كما يجب ألا يغرب عن الأذهان، بأن رهانات التظاهرات الكبرى في مقدمتها كأس العالم في كرة القدم سنة 2030، لا يقف عند حدود توفير البنيات التحتية، رغم أهميتها والتي بذلت بخصوصها، مجهودات جبارة لتوفيرها، وفق مواصفات الفيفا، منها مركبات رياضية، طرق، ومطارات، وموانئ، وسكك حديدية وقطارات فائقة السرعة، ومستشفيات، وفنادق، وفضاءات خضراء، وأنظمة اتصال وبنيات استقبال سياحية .. إلى غير ذلك، بل يتطلب كذلك التوفر على إعلام مهني حيوي ديناميكي، قادر على التعاطي مع هذا الحدث العالمي، فلا رياضة بدون اعلام، كما يعلم الجميع.
مرحلة جديدة
وهذا الأمر يرتبط كذلك، بمدى قدرة وسائل الإعلام الوطنية، لضمان نجاح هذه التظاهرة العالمية الكبرى التي تشكل في حالة استثمارها ايجابيا، أن تشكل مدخلا حاسما في تسويق وتقديم صورة المغرب الحضارية والثقافية والاجتماعية، بدون مساحيق، مع إبراز ما يمتاز به من تنوع وتعدد، فضلا عن الأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تفرضها البيئة الرقمية على الممارسة الصحافية والاعلامية، وتأثير التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، وانعكاساتها على الأداء الصحفي والاعلامي.
وفي هذا الصدد يمكن التساؤل عن مدى تكيف وسائل الإعلام ومن ضمنها الصحافة الرياضية، مع هذه المتغيرات، ومدي تمكنها من مواجهة تحديات الثورة الرقمية؟ وأن يتحول الى فضاء للحوار والتعايش واحترام مبدأ الاختلاف وفق المقتصات الحقوقية المتعارف عليها دوليا؟. وهذا ما يستدعى إيلاء أهمية خاصة للتكوين واستكمال التكوين، بما يتلاءم مع الحاجيات التي يتطلبها مواكبة حدث كبير من قبيل كأس العالم الذي يعد حدثا رياضيا بحمولة ثقافية، ستكون له بلاشك، انعكاسات تتجاوز ما هو رياضي إلى ما هو اقتصادي وثقافي وسياسي.
قطاع استراتيجي
غير أنه إذا كأس العالم ليس هو الكرة فقط، وليس هو الملعب أو الجمهور أو الفوز أو الهزيمة أو الكأس، بل هو أيضا ما يجري خارج المنافسات داخل رقعة الملاعب بجهات المغرب الستة التي تم اختيارها لاحتضان مباريات المونديال، فإن الأمل يظل مطروحا في أن يدشن التحضير وتنظيم المونديال، لمرحلة جديدة تساهم في تجاوز النظرة النمطية للاعلام، الذي تحول الى قطاع استراتيجي، ومن بين رافعات التنمية.
فضلا عن تطوير وسائل الإعلام بتأهيلها للتعاطي المغاير مع مجتمع كأس العالم الذي يفرض تعاملا مختلفا في العلاقة مع الجمهور المحلي والوافد، فإن المطلوب اعداد استراتيجية شاملة، من بينها ربط البعد الأمني بالبعد الحقوقي ومحاربة الكراهية والعنصرية، وفق رؤية واضحة المعالم.
حريات وحقوق
ويلاحظ بأن دينامية المندوبية الوزارية في مجال الصحافة والرياضة وحقوق الانسان، تزامن مع ندوة دولية نظمتها “مؤسسة المغرب 2030” بالرباط تحت شعار “الرياضة كرافعة للنهوض بحقوق الإنسان: أي أثر على المجتمع؟ وذلك بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو على ما يبدو ما ذفع المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، الى التأكيد على أن المغرب، وهو يستعد لاحتضان أهم التظاهرات الكروية، “يلتزم بجعل هذه الأحداث نموذجا إفريقيا ومتوسطيا ودوليا على مستوى الوقاية من خطاب الكراهية والعنف والتمييز؛ تعزيز التنوع داخل وسائل الإعلام، ودعم الإدماج الفعلي للنساء في الرياضة؛ فضلا على حماية الأطفال واليافعين والشباب واحترام كرامة العمال والمشجعين والصحفيين والرياضيين”.
إن تأهيل الإعلام، الذي تظل مكوناته من الصحافيين والاعلاميين شركاء استراتيجيين، يقتضى وضعه في قلب احترام الحريات وتعدد الثقافات، حتى تتعزز صورة المغرب وسمعته على المستوى العالمي، لأن ” العائدات المعنوية للتنظيم نقتضي الاستثمار في احترام ثقافات الضيوف وتعريفهم بالثقافة المغربية وتاريخها، حتى لا يتحول “كأس العالم” إلى حلبة للسجال الثقافي أو الصراع الحضاري، باعتبار أن المونديال، أكثر من مجرد مسابقةٍ في “الكرة”، كما سجل الكاتب الصحافي سعيد منتسب لمؤلف ” الاعلام ومونديال 2030 ” اصداري الاخير والذي دعا في كلمة تقديمه الجامعي حسن طارق إلى التفكير، ” بذكاءٍ أكبر” في هذا الحدث العالمي الرياضي، مع التسلح بمقاربات ثقافية و اجتماعية، تَنْظر إلى أن هذه الحدث كلقاءٍ جديد بين المغرب و العالم.