وقد صمم هذا المشروع الطموح كنموذج مندمج من بين الأكثر ابتكارا على مستوى القارة الإفريقية، بما يجسد رغبة مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة في تشييد بنية صحية مستدامة في خدمة المرضى، والبحث العلمي، والتكوين عالي المستوى في مختلف التخصصات الطبية.
أما الهدف فهو واضح، ويتمثل في جعل الداخلة قطبا جهويا وقاريا قادرا على تكوين مهنيي الصحة في المستقبل، وتقديم خدمات استشفائية عالية التخصص، ودعم الابتكار العلمي والتكنولوجي. وقد أبرز رئيس جامعة محمد السادس للعلوم والصحة، البروفيسور محمد العدناوي، هذه التوجهات وحجم هذا الورش، في تصريحات للصحافة على هامش القمة الإفريقية الأولى حول أنظمة الصحة والسيادة الصحية، التي نظمت ما بين 28 و30 نونبر المنصرم بالداخلة. وأوضح أن “المركب الاستشفائي الجامعي الدولي محمد السادس بالداخلة يشيد وفق النموذج نفسه المعتمد في مواقع الدار البيضاء والرباط ومراكش وأكادير”، مذكرا بأن هذه البنية تشمل جامعة متكاملة، ومستشفى جامعيا حديثا ، ومركز محاكاة عالي التكنولوجيا.
وأضاف أن الأشغال بكلية محمد السادس للطب بالداخلة، التي تستقبل فوجها الثاني، تتقدم بوتيرة مهمة، بنسبة إنجاز تبلغ 60 في المائة. ومن المنتظر أن تضم هذه البنية الجامعية حرما يتكون من ثلاثة مدرجات، وما يقارب ثلاثين قاعة للدروس والأعمال التطبيقية، بالإضافة إلى مكتبة ومركز للمحاكاة. وأوضح أنه سيتم، مستقبلا، تكوين نحو ألف طالب في الطب داخل هذا الموقع، مما سيسهم في الجهد الوطني الذي يرفع اليوم عدد طلبة جامعة محمد السادس للعلوم والصحة إلى أكثر من 10.300 طالب، من بينهم حوالي 6.000 في المسالك الطبية.
وأضاف أنه، بالموازاة مع ذلك، فإن كلية محمد السادس لعلوم التمريض والمهن الصحية بالداخلة، التي بلغت نسبة إنجازها 75 في المائة، تتوفر على طاقة استيعابية تصل إلى 200 طالب سيستفيدون من تكوينات متقدمة، من بينها ماسترات في طب الأورام، وطب حديثي الولادة، وطب المستعجلات، وطب الكوارث، وهي تكوينات تعد سابقة على مستوى المغرب وإفريقيا.
أما الجانب التكنولوجي، وهو أحد المكونات الرئيسية للمركب، فقد تطرقت إليه المديرة الأكاديمية لكلية الهندسة – جامعة محمد السادس للعلوم والصحة، البروفيسور بسمة جيودي، التي أبرزت أننا “نعيش اليوم عهدا جديدا حيث تدمج في الطب التكنولوجيات الحديثة، والذكاء الاصطناعي، والرقمنة”. وأوضحت أن كلية الهندسة – جامعة محمد السادس للعلوم والصحة تضم حاليا أكثر من 670 طالبا موزعين على مختلف مواقع الجامعة وطنيا ، ثلثهم في هندسة الصحة.
وأكدت ان الكلية شيدت على مساحة 6.300 متر مربع، وتضم مختبرات وقاعات للدروس وأخرى للأعمال التطبيقية، إضافة إلى فضاءات مخصصة للحياة الطلابية، وتهدف إلى تكوين جيل جديد من المهندسين البيوطبيين والمتخصصين الرقميين القادرين على مواكبة التطور السريع للطب الحديث، مشيرة إلى أن أكثر من 850 خريجا من هذه المؤسسة يشتغلون اليوم في المنظومة الصحية.
ومن جهة أخرى، يمنح تدشين الأكاديمية الإفريقية لعلوم الصحة بعدا استراتيجيا إضافيا لهذا المركب. وفي هذا الصدد، وصف البروفيسور جعفر هيكل، المكلف بمهمة لدى مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، هذه المرحلة بـ”الخطوة الكبرى” في تنزيل التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في مجال السيادة الصحية. وأوضح أن هذه الأكاديمية تهدف إلى توحيد الخبرات الإفريقية من أجل تعزيز الأنظمة الصحية بالقارة، سواء تعلق الأمر بالولوج إلى الأدوية واللقاحات، أو تطوير الرعاية الصحية الأولية، أو الوقاية، أو البحث العلمي، أو البنيات التحتية، أو تكوين الكفاءات المستقبلية.
وشدد على أهمية التوفر على فضاء للتفكير الاستراتيجي يقوم على مقاربة “من قبل الأفارقة ولأجل الأفارقة”، ويستند إلى بنية تحتية حديثة قادرة على احتضان أعمال علمية رفيعة المستوى.
ومن جهته، أبرز المدير العام لموقع الداخلة التابع لمؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، البروفيسور عبدالصمد الأزهري، الدور الذي سيلعبه المستشفى الجامعي المقبل باعتباره بنية مرجعية لفائدة مجموع الأقاليم الجنوبية. وسيضم المستشفى 300 سريرا، ومن المتوقع أن يستقبل ما بين 200.000 و250.000 مريض سنويا ، من بينهم حوالي 40.000 حالة مستعجلة، مع توفر جميع التخصصات وتجهيزات حديثة ذات مستوى عال . وأوضح أن هذه المؤسسة، المصممة وفق معايير دولية، تضم كلية للطب، وكلية لعلوم الصحة، ومدرسة للهندسة البيوطبية، ومركزا للمحاكاة، إضافة إلى إقامات طلابية مجهزة بمطعم وقاعة رياضية. كما ذكر بأن المركب يتوفر على مركز للمؤتمرات بطاقة استيعابية تبلغ 600 مقعدا، تم تصميمه لاحتضان الندوات والملتقيات والتظاهرات العلمية رفيعة المستوى.
و يجسد المركب الاستشفائي الجامعي الدولي محمد السادس بالداخلة، بالنظر لنطاقه الواسع ورؤيته المندمجة وتشكيلته المتناغمة بين التكوين والعلاج والهندسة والبحث، التحو ل الجاري الذي يعيشه المشهد الصحي المغربي.
ويترجم هذا المشروع، في المقام الأول، إرادة ترسيخ موقع الداخلة، بشكل مستدام، كقطب إفريقي استراتيجي قادر على تلبية احتياجات القارة والمساهمة بفعالية في بناء سيادة صحية إفريقية حقيقية.
ح:م