عبد العلي جدوبي : وجهت الصحافة الجزائرية الموالية لنظام العسكر نقدا لادعا هذه الايام لقرار مجلس الأمن الأخير 97 27 بشأن الصحراء المغربية، والقاضي بتأييد الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب ولقي ترحيبا أمميا ودوليا ؛ وكان السفير الجزائري بمجلس الأمن عمار بن جامع قد اعتبر القرار الذي تم اعتماده لا يترجم بالكامل روح ومبادئ الأمم المتحدة ، في حين رفضت جبهه البوليساريو أي حل سياسي اذا لم يطرح خيار ” تقرير المصير ” !!
ويبدو أن جبهة البوليساريو ومن يحركها يعيشون اياما حالكة بعد القرار الأممي التاريخي وهم يمارسون الآن رقصه الديك المذبوح
ازيد من خمسين دولة سحبت اعترافها بالبوليساريو ” بعد ان كانت تعتبر نفسها ” حركة تحررية ” و بعدما تقرر ادراجها ضمن المنظمات الإرهابية التي يجب التصدي لها لتحرير المحتجزين لديها بمخيمات تندوف والحماده ، وكذلك وضعت الولايات المتحدة الأمريكية كل ثقلها في اتجاه تسريع إيجاد حل نهائي لنزاع الصحراء ، وأعطت للجزائر مهله لذلك ! فأمريكا ترى في هذا النزاع المفتعل مصدر توثر مزمن يهدد الاستقرار الاقليمي في شمال افريقيا والساحل ، وهي منطقة محورية في الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإر هاب ، وفي حين أن الرعاية الأمريكية تبين أيضا حدود التقارب الامريكي ـ الجزائري وتكشف عن عدم الارتياح الذي تنظر به واشنطن الى العلاقات الجزائرية ـ الروسية ـ الصينية ، وهنا تبدو رغبة الرئيس الامريكي دونالد ترامب في التسريع بتسوية النزاع لتلميع صورته بوصفه رجل سلام ..
ومن المرجح أن تواصل واشنطن ضغوطها على الجزائر من أجل التعامل بإيجابية مع العملية التفاوضية المرتقبة تحت الرعاية الأممية وفق القرار 97 27 وهو من منظور القانون الدولي يعكس مفهوم ” تقرير المصير ” ذاته ، فبعد أن كان يعني في التداول الإعلامي والسياسي الإنفصال والاستقلال ، أصبح من معانيه اليوم المشاركة الديمقراطية داخل المملكة المغربية ، وهذا التحول يشكل انتصارا دبلوماسيا كبيرا للمغرب ، كما أنه يعيد التأكيد على دور المغرب كقوة استقرار ووسيط اقليمي موثوق به يقوم على الموازنة بين الشرعية الدولية والواقعية السياسية ، هذا المسار يؤكد بأن هناك تم استراتيجية ملكية كان يتم تفعيلها في مسار نزاع الصحراء بشكل تراكمي منذ عدة سنوات ، وإصرار جلاله الملك محمد السادس في نفس الوقت على سياسة اليد الممدودة للجزائر .
فأن تنوب الجزائر عن البوليساريو في الدفاع عن أهداف انفصالية غير مقبولة مبدئيا وقانونيا ، فهذا موقف معروف وثابت ولا يحتاج الى تبادل الرسائل مع مجلس الامن طالما انه واقع عمليا ؛ لكن انت تنوب الجزائر عن مجلس الأمن والأمم المتحدة في الصلاحيات المخولة ، فذلك واحد من اثنين : إما أن الجزائر تخال نفسها دولة عظمى تملي شروطها لحل نزاع اقليمي حتى وإن تعارضت الشروط مع قرارات المجتمع الدولي ، وإما أنها الطرف الأول المعني بما يجعلها تغلب الدفاع عن رؤيتها ومصالحها باسم الدفاع عن قضية مبدئية ، وفي كلتا الحالتين فإن التورط الجزائري في الملف لم يعد يحتاج إلى جهد اضافي لإستخلاصه ، فالجزائر تسلك منهجية الرفض والهروب إلى الأمام ، وهذا الاسلوب وحده كاف لتقييم المواقف والحكم عليها بما يجعل من غياب إرادة الذهاب نحو الحل الغائب الكبير في الموقف الجزائري ، الرافض للقرارات الأممية ، وما يعزز هذا الغياب أن الجزائر نفسها هي البوليساريو المتحكمة في كل القرارات وتستخدم مجموعة من الإنفصاليين ورقه في اكثر من قضية إقليمية داخلية ، بل أن ما تخشاه الجزائر هو أن المسار الطبيعي للحل النهائي سيفقدها ورقة استخدامه ، وهذه مشكلة جزائرية صرفة لا يمكن الفصل فيها ، بين ماهو داخلي وما هو خارجي ، سيما وأن العجز حين يكون كبيرا في إدارة ملفات داخلية ، قد تنعكس طموحا في الابقاء على اشكاليات خارجية ، وفي الإمكان تلمس هذا الترابط من خلال ردود الفعل التي تحفل بها الصحافة الجزائرية الناطقة بإسم الفريق العسكري الحاكم ، وكذا أنواع الضغوط التي تريد أن تضع قضية الصحراء المغربية في مرتبة ” الأمن القومي ” الجزائري ! ولو أن أية مجموعة بشرية تتوفر على خصوصيات معينة ، وأصبح ينظر اليها ك “شعب ” لكانت الجزائر في مقدمة الدول الضحايا للنزاعات الانفصالية ! وما يحدث هذه الايام في منطقه القبائل ودعوة فرحات مهني للاستقلال تعطي مؤشرا على أن الاوضاع الداخلية لاتبشر بالخير ،وأن البلاد تعيش على صفيح ساخن !
لا نريد للجزائر إلا أن تكون معافة ،آمنة داخل حدودها الطبيعية ، تحترم سيادة الدول والقرارات الأممية ، وتنصاع للشرعية الدولية ، فالشعب الجزائري الشقيق لم يعتبر في وقت من الأوقات خلافات حكومات بلاده مع المغرب قضية شعبية ، وهو لا يدغن لأية سياسات تريد التفريق بينه وبين الشعب المغربي الذي اشترك معه في سلاح النضال من أجل الاستقلال.