آسفي… حين تكشف الكارثة ما أُخفي عمدًا “واد الشعبة.. كارثة وفاجعة صنعتها قرارات معطَّلة وإهمال متراكم!”

0

آسفي ـ سعيد الهركاويلم تغرق آسفي فقط بمياه الأمطار، بل غَرِقت، وبشكل أفدح، في صمتٍ مؤسساتي ثقيل، وفي شبكة من “الحقائق الغائبة” التي جرى تجاهلها عمدًا في تشخيص كارثة واد الشعبة.

فبين بلاغات التهوين، وخطاب “القوة القاهرة”، ومحاولات التبرؤ من المسؤولية، دُفنت الأسئلة الجوهرية التي كان ينبغي طرحها منذ اللحظة الأولى:

لماذا وقعت الكارثة؟ من كان يعلم؟ ولماذا لم يتحرك؟

اليوم، وبعد سقوط 47 ضحية مؤكدة، ومفقودين، وتدمير واسع للمنازل والمحلات، وإبادة عائلة كاملة من سبعة أفراد، لم يعد ممكنًا اختزال ما جرى في “تقلب جوي استثنائي”.

نحن أمام مأساة مُعلنة مسبقًا، موثقة، ومهملة عن سبق إصرار.

أولًا: الخطر لم يكن مفاجئًا… بل موثقًا

أولى المغالطات التي رافقت الكارثة، تصويرها كحدث غير متوقع.

والحال أن واد الشعبة ملف مغلق على الرف منذ عقود، لا في الذاكرة الشعبية فقط، بل في الأرشيف الرسمي والتاريخ الهيدرولوجي للمدينة.

المدينة القديمة ظلت دائمًا النقطة الأكثر هشاشة، والواد يستعيد مجراه كلما توفرت شروطه الطبيعية.

الخطر كان معلومًا، متكررًا، وموثقًا… لكنه عومل كاحتمال نظري لا كتهديد مباشر للأرواح.

ثانيًا: وثيقة 5 يناير 2022… التحذير الذي لم يُنفَّذ

في 5 يناير 2022، أُنجزت وثيقة تقنية رسمية من طرف الجماعة الحضرية لآسفي بشراكة مع وزارة إعداد التراب الوطني، حدّدت بدقة:

واد الشعبة كمنطقة خطر عالية

الأحياء المهددة: الشعبة، القناطر، المدينة القديمة

حوالي 850 شخصًا معرضين للخطر المباشر

حلول تقنية واضحة:

إعادة تهيئة الحوض

تقوية الضفاف

تسهيل الجريان الطبيعي للمياه

مرت ثلاث سنوات كاملة دون تنفيذ المشروع، ودون أي توضيح للرأي العام.

وهكذا تحوّلت الوثيقة من أداة وقاية إلى قرينة إدانة كاملة.

ثالثًا: التاريخ يعيد نفسه… والواد لا ينسى

فيضانات واد الشعبة ليست حادثًا معزولًا:

1928 – عام الحملة: فيضانات مدمرة

1966: خسائر بشرية ومادية

1996: فيضانات وطنية ثقيلة

14 دجنبر 2025: الكارثة الأثقل في تاريخ المدينة

الأودية تستعيد مجراها دائمًا

والإنسان هو من ينسى أو يتناسى.

رابعًا: من الخطر الطبيعي إلى الجريمة التدبيرية

التمويه بمفهوم “القوة القاهرة” غير مقبول، لأن:

الخطر معلوم

التاريخ موثق

الوثائق موجودة

الحلول مبرمجة ولم تُنفّذ

الأخطر، إغلاق مصب واد الشعبة بسبب أشغال الحاجز البحري لإنقاذ قصر البحر، ما أدى إلى:

اختناق مسار تصريف المياه

توجيه السيول نحو المدينة والميناء

تهديد منشآت استراتيجية وخسائر بالمليارات

هنا لا نتحدث عن غضب الطبيعة، بل عن سلسلة أخطاء بشرية قاتلة.

خامسًا: الجدار البحري… حين يتحوّل الحل إلى سبب

الجدار الإسمنتي بالواجهة البحرية:

أغلق المنافذ الطبيعية لتصريف المياه

حوّل الطريق الساحلي إلى حاجز مائي

شُيّد دون تقييم بيئي حقيقي لمسارات الأودية

هذا الجدار لم يكن بنية حماية، بل سدًا صامتًا أعاد السيول إلى قلب الأحياء.

سادسًا: تجفيف “السد الطبيعي”… خطأ قاتل

تجفيف سد سيدي عبد الرحمن:

أفقد المدينة منطقة امتصاص طبيعية

حوّل الواد إلى مجرى مباشر وعنيف

أوصل منسوب المياه إلى سبعة أمتار في المدينة القديمة

ما جرى هنا ليس كارثة طبيعية، بل تغيير لوظيفة منظومة بيئية دون بدائل وقائية.

سابعًا: لجنة اليقظة… حين يغيب الاستباق

لجنة اليقظة الإقليمية، التي تُترأس مباشرة من طرف العامل:

لم تُفعَّل

لم تجتمع في التوقيت الحرج

لم تنزل للميدان

رغم النشرات الإنذارية الواضحة، تُركت الساكنة في مواجهة السيول دون:

إخلاء

تحذير فعّال

خطط طوارئ

وهنا تصبح المسؤولية مباشرة لا مفترضة.

ثامنًا: الشركة الجهوية متعددة الخدمات… خدمة غائبة وتضليل مدفوع

قسم الصرف الصحي بالشركة الجهوية متعددة الخدمات مراكش–آسفي:

همّش آسفي

قلّص استثماراتها

أهمل صيانة الشبكات

في المقابل، سبقت الكارثة حملة تلميع إعلامي مضللة:

إعلانات مدفوعة (500 درهم للإشهار – 2000 درهم للفيديو)

تضخيم تدخلات شكلية

تبييض فشل بنيوي

آسفي دفعت الثمن مرتين:

فواتير مرتفعة… وخدمة غائبة ساعة الخطر.

تاسعًا: المسؤولية… من عطّل المشروع؟

المسؤولية متعددة المستويات:

  1. الحكومة
  2. وزارة الداخلية
  3. العمالة والمصالح الخارجية والجماعات الترابية

4.المركب الشريف للفوسفاط

  1. الشركة الجهوية متعددة الخدمات
  2. إعلام اختار الإشهار بدل الحقيقة

ما حدث ليس خطأ إداريًا، بل فشل وقائي جسيم أودى بأرواح بشرية.

الخلاصة: آسفي تغرق بالوثائق لا بالأمطار

ما جرى في واد الشعبة لم يكن صدفة، بل نتيجة:

مشروع عُطّل، لجنة لم تجتمع، سدود طبيعية جُفّفت

صرف صحي أُهمل ،تضليل إعلامي مدفوع

في واد الشعبة،

لم تُدان الطبيعة

بل أُدين التدبير،

وانكشفت المسؤوليات.

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.