نظمت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، لقاء دراسيا خصص لمناقشة مظاهر حماية الطفولة ورعايتها في ضوء مشروع القانون رقم 29.24 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لحماية الطفولة وبمراكز حماية الطفولة التابعة لها وبمؤسسات الرعاية الاجتماعية الخاصة بالأطفال.
وتوخى هذا اللقاء، الذي عقد بشراكة مع وزارة العدل، تعميق النقاش حول مضامين هذا النص التشريعي من خلال تناول مختلف أبعاد حماية الطفولة، وما يرتبط بها من تحديات على مستوى الحكامة، ورهانات تعزيز التدابير البديلة، ورعاية المصلحة الفضلى للطفل.
وفي كلمة بالمناسبة، قال مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، هشام ملاطي، إن مشروع هذا القانون يشكل إصلاحا تشريعيا مهما طال انتظاره، ويستدعي تفعيلا آنيا، بالنظر إلى التراكمات المسجلة على المستويين الوطني والدولي، مبرزا أن المغرب يعد فاعلا في عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ويأخذ بعين الاعتبار التوصيات الأممية، لاسيما تلك المتعلقة بطبيعة مساءلة فئة الأحداث، التي “ينبغي أن تكتسي طابعا تأديبيا لا عقابيا، بما يتماشى مع المعايير المعتمدة”.
وسجل السيد ملاطي أن الإشكالات المرتبطة بتدبير منظومة حماية الطفولة بالمغرب تعود أساسا إلى تعدد المتدخلين، وضعف أو صعوبة التنسيق بينهم، إضافة إلى وضعية المراكز وما يرتبط بها من مساطر وإجراءات منصوص عليها في التشريع الوطني.
وأوضح، في هذا السياق، أنه تم الحرص على إعداد نص تشريعي متكامل يستجيب لمختلف الرهانات المطروحة، بتنسيق مع القطاعات المعنية مباشرة، من بينها قطاع الشباب وقطاع الأسرة والتضامن، مشيرا إلى بروز تحديات بشأن اختصاصات الوكالة الوطنية لحماية الطفولة في ظل وجود مراكز حماية الطفولة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية.
وأضاف أن الاختلاف بين هذه المراكز يظل كبيرا من حيث الطبيعة والخصوصية والأنظمة المؤطرة لها، مبرزا أن النقاش شمل أيضا مراكز الإصلاح والتهذيب التابعة للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، حيث تودع بعض فئات الأحداث داخل المؤسسات السجنية في أجنحة مخصصة لهم.
وأشار إلى أن النقاش أفضى إلى التوافق بشأن إدراج مؤسسات الرعاية الاجتماعية ضمن اختصاصات الوكالة، باستثناء المؤسسات الخاصة بالأطفال في وضعية إعاقة، جزئيا، مع الإبقاء على الأطفال في وضعية تشرد ضمن اختصاص الوكالة الوطنية لحماية الطفولة.
وبخصوص مراكز الإصلاح والتهذيب داخل المؤسسات السجنية، التي يستثنيها مشروع القانون من الإلحاق بالوكالة نظرا لإكراهات الحراسة، خاصة بالنسبة للأحداث المتابعين في قضايا جنايات تنطوي على درجة من الخطورة، أوضح السيد ملاطي أنه تم اعتماد حل وسط يتمثل في عدم إلحاق هذه المراكز بالوكالة، مع إحداث آلية ربط بين السجن والوكالة.
وبحسبه، فإن هذه الآلية تتجسد، من جهة، في توسيع إمكانية تحويل الحدث الموجود بالمؤسسة السجنية إلى المراكز التابعة للوكالة، بغض النظر عن مدة العقوبة المحكوم بها، ومن جهة أخرى، في تمكين الأحداث الذين يظلون داخل المؤسسات السجنية من برامج تأهيلية وإدماجية وتربوية، تعدها الوكالة بتنسيق مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.
من جانبه، أكد رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات، سعيد بعزيز، أن “هذا اللقاء يندرج في إطار الانسجام مع التعليمات الملكية السامية الداعية إلى انفتاح المؤسسة التشريعية على محيطها، وعلى مختلف الفاعلين المعنيين بالسياسات العمومية”، مبرزا أن “اللجنة البرلمانية جعلت من هذه التوجيهات أساسا لعملها، انطلاقا من قناعة مفادها أن النصوص القانونية المؤسسة لا يمكن صياغتها بمعزل عن الإنصات لمختلف المتدخلين”.
وأشار إلى أن هذا اللقاء يتزامن مع مسار مناقشة مشروع القانون المعروض على اللجنة، مسجلا أن كل الأفكار والمقترحات ستشكل خارطة طريق لتأطير النقاش البرلماني وصياغة التعديلات الممكنة على المشروع.
وشدد على أن الاشتغال على قضايا الطفولة هو في جوهره اشتغال على مستقبل المغرب، مؤكدا الحاجة إلى سياسة عمومية منتجة ومستدامة في هذا المجال، لا تقتصر على الطفولة في وضعية صعبة، بل تشمل الطفولة بمختلف مكوناتها
وأبرز في السياق ذاته أن اللقاء يهدف إلى التفاعل مع عدد من الأسئلة الجوهرية ذات البعد الحقوقي، خاصة وأن مناقشة هذا المشروع تتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ومع تركيز دولي خاص، خلال هذه السنة، على حقوق الطفل وإدماجها ضمن السياسات العمومية الوطنية.
يشار إلى أن هذا اللقاء الدراسي، الذي يشارك فيه أكاديميون وخبراء وفاعلون مؤسساتيون وقانونيون ومدنيون، يناقش أيضا التزامات المغرب الدولية في مجال حماية الطفولة، وآفاق تطوير التشريع الوطني في هذا المجال، في ضوء مشروع القانون رقم 29.24.
ح/م