الحلم المغاربي حاضر في الرياضة.. غائب في السياسة

0

د.جمال المحافظ: يطرح احتضان المغرب لبطولة أمم إفريقيا  لكرة القدم، التي افتتحت منافساتها الأحد 21 دجنبر  2025 وتستمر إلى غاية  18 يناير 2026، بمشاركة 24 منتخبا افريقيا من بينهم ثلاثة منتخبات مغاربية هي فضلا عن المغرب وكل من الجزائر وتونس،  الحاجة الى استعادة دور الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي لكافة بلدان المنطقة المغاربية.   

وإذا كان المراقبون، يجمعون على القول بأن دورة المغرب العالية، قد تكون أفضل نسخة لكأس افريقيا منذ دورتها الأولى سنة 1957 التي استضافتها السودان، فإن  الجماهير المغاربية، خلال هذه المنافسات القارية، ما فتأت تعبر سواء بمدرجات الملاعب أو خارجها، عن ارادتها الراسخة، لتجاوز كل الخلافات، تشبثها بخيار الاتحاد المغاربي، في عصر لا يؤمن الا بالتكتلات القوية، اقتناعا منها بأن مواصلة الجمود الذي  يعرفه هذا الاطار له كلفة كبيرة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، لها انعكاسات سلبية على حاضر ومستقبل المنطقة المغاربية التي تعتبر آخر فضاء مشترك غير مندمج، بالمقارنة مع مختلف التجمعات على المستوى العالمي.

وعلى الرغم ما يلاحظ من بعض الممارسات التي تسير في اتجاه تغذية الخلاف وصب الزيت على النار بين البلدان المغاربية، وبث المزيد من التفرقة، عبر التضليل والإساءة للثوابت والرموز الوطنية المغاربية، فإن هذه الأساليب المتجاوزة، والتي تسير عكس التاريخ والجغرافيا، فإنها تبقى تصرفات معزولة، بالمقارنة مع  ما تبدعه الجماهير ولاعبي المنتخبات المغاربية المرشحة خلال نسخة المغرب، بالذهاب بعيدا في هذه المنافسات الرياضية الافريقية، عبر المستوى الكروي الذي تبديه لحد الآن على مستوى دور المجموعات.

وإن كانت هذه المنافسات تندرج ضمن التظاهرات الرياضية الافريقية، فإن مشاركة منتخبات مغاربية فيها، فإنها تترجم بطريقة غير مباشرة تجديد التمسك بفكرة الاتحاد المغاربي، الذي يحتضن أحد بلدانه الرئيسة ( المغرب)، حاليا هذه النسخة،  بعدما احتضنت مدينة مراكش، الإعلان الرسمي عن ميلاد اتحاد المغرب الكبير في 17 فبراير سنة 1989 بالتوقيع على معاهدة التأسيس من قبل قادة الدول المغاربية الخمس  المتكونة من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا و ليبيا، وذلك استجابة لتطلعات الشعوب المغاربية التي تربطها علاقات تاريخية عريقة، وتجمعها أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك.

واستحضارا للدور الحاسم الذي تضطلع به وسائل الإعلام، فإن المطلوب من الصحافة والإعلام، أن تستغل مثل هذه التظاهرات للمساهمة في تدشين دينامية ترتفع الحزازات والخلافات للتقريب بين الشعوب المغاربية، عوض أن تظل كما هي الآن بالنسبة لبعضها أداة في يد السلطة لإثارة الصراعات، توظف لتعميق المزيد من الخلافات وبث التفرقة، وتشجيع الانفصال.

وفضلا عن استثمار الرياضة والاعلام كأداة لتعزيز البناء المغاربي، فإن المجتمع المدني والأكاديمي، بدوره تقع على عاتقه، مسؤولية المساهمة في  تحقيق  الحلم المغاربي من خلال العمل على تعزيز أواصر التعاون والتكامل والتآزر من أجل النهوض بالمشروع المغاربي الذي شكل على الدوام أحد طموحات مختلف الأجيال المتعاقبة.

وإذا كانت الرياضة المغاربية،  بقدر ما تساهم في توطيد العلاقات بين شباب المنطقة وتوحد انتظاراتهم في العيش المشترك، خلال مختلف التظاهرات خاصة في ميدان كرة القدم، وكذلك بقدر ما يسجل على المستوى السياسي تكلسا وجمودا، فإن يتعين العمل على أن تتغلب المصالح المشتركة على كل الاعتبارات الضيقة و المصالح الآنية، وذلك من باب الحكمة والوفاء للتاريخ والذاكرة الجماعية. وفي هذا الصدد، يمكن أن يشكل، اعلاء المصلحة العامة والتعاون والتكامل بين سائر الدول المغاربية، عامل قوة للتصدي لمختلف المشاكل التي تعرفها المنطقة المغاربية، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية .

وإذا كان تحقيق إقلاع الاتحاد المغاربي الذي وصل إلى الطريق المسدود منذ عدة سنوات، رهين بـإدراك جميع الأطراف الفاعلة، بالحاجة لوضع المصالح العامة المشتركة، فوق كل مصالح قطرية ضيقة، فإن حالة الجمود السياسي تقف حجر عثرة أمام كل الجهود والنداءات التي تدعو الى إعادة بناء مغرب كبير قوي وموحد الذي يمر عبر حل كل الخلافات خاصة ما بين الجزائر والمغرب، مع العمل.. على تجاوز وضعية الجمود التي ترهن طموحات شعوب المنطقة، ومعها الدفع بمسلسل الاندماج الاقتصادي بين دول الاتحاد.

وبالعودة لمنافسات نهائيات الكان، فإن العديد من المراقبين يرجحون، أن تكون المنتخبات المغاربية الثلاث، ( المغرب والجزائر وتونس )، من بين المرشحين للذهاب بعيدا خلال النسخة 35 من كأس افريقيا للأمم التي تستضيفها المملكة، والتي تجرى لأول مرة، منذ انطلاق المنافسات القارية، في تسعة ملاعب موزعة على ستة مدن هي الرباط ( أربعة ملاعب ) والدار البيضاء ومراكش وأكادير وفاس وطنجة.

كما يبقى الأمل في أن ينعكس التجاوب الإيجابي للجماهير مع ما يحققه الرياضيون المغاربيون من نتائج إيجابية في  الملتقيات القارية والعالمية، على جهود إعادة احياء الاتحاد المغاربي على قواعد الوحدة والديمقراطية والمواطنة، والاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة، مع التلاؤم مع التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، وتجاوز ما تشهده العلاقات بين بلدان المنطقة التي تعرف مفارقة غريبة، تتمثل في حضور الحلم المغاربي في الرياضة، وغيابه في السياسة.    

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.