مأساة غرداية: “تجسيد حي لدولة فاشلة!” – حدث كم

مأساة غرداية: “تجسيد حي لدولة فاشلة!”

بقلم جمال شبلي : يجسد الجرح الجديد الذي فتح بغرداية، المنطقة التي توجد منذ مدة طويلة في نفق مظلم، فشل نظام بلغت طرق حكمه القائمة على ثنائية القمع والفساد، نهايتها.
فالصور المتداولة عبر العالم حول المواجهات في غرداية أعطت الانطباع بأن الأمر يتعلق بساحات حرب حقيقية لا يمكن مقارنتها إلا بتلك الصور الواردة من سوريا أو ليبيا المجاورة، صور “عار” صدمت غالبية الجزائريين الذي بدؤوا يدركون ، يوما بعد يوم ، حجم الفوضى الناجمة عن حكامة سيئة لشؤون الدولة على مدى السنوات الأخيرة.
ومأساة غرداية هي في الواقع ضرب لأعذار النظام الجزائري الذي لم يعد له من جدار يختفي وراءه، ذلك أن ثلاثين شهرا من المواجهات بمختلف تسمياتها، طائفية أم مذهبية ، كانت كافية لكافة مصالح الدولة لكشف حقيقة لا تخطئها العين، خاصة وأن الأسلحة النارية أصبحت تستعمل في هذه المناوشات.
و يجذر التذكير بأن أولى المواجهات في هذا المسلسل من العنف تفجرت في متم دجنبر 2013 في بلدة القرارة الواقعة على بعد 40 كلم قرب من مدينة غرداية، لتسجل بها اليوم أثقل حصيلة من الضحايا، وليفر منها المئات من الساكنة المحلية في هذا الشهر الأبرك.
إذن فثلاثون شهرا لم تكن ، بهذا المعنى ، كافية لإعطاء أمل جديد لساكنة تئن تحت فقر مدقع داخل بلد يفترض أن يكون غنيا، ثلاثون شهرا غير كافية لتحقيق أدنى مشروع وعد به في منطقة متضررة.
فبعد وفاة شخص بالرصاص الحي، سارع النظام إلى عقد اجتماع تذكر فيه بأنه يجب تفعيل برنامج سبق تسطيره لعودة عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى الدوران ومعه عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي عبر تراب ولاية غرداية.
إن ما يحدث في غرداية “مأساة مرعبة” تشهد، مرة أخرى، على “إهمال وضعف”نظام “فقد حركيته ويقود البلاد لا محالة إلى مأزق مؤسساتي حقيقي وإلى ضربة قاضية محتومة”، وفق توصيف (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية- معارضة).
ويبدو أن أعمال العنف التي تطال واد ميزاب يروج لها ، عن قصد ، أنها ذات طابع طائفي-مذهبي بين الأمازيغ (تيار الإباضية) والعرب (تيار المالكية) لإخفاء حقيقة واضحة كوضوح النهار. وهذه الحقيقة كما يجمع عليها مراقبون هي أن العنف في غرداية يغذيه اليأس والتهميش وشراء الضمائر وسياسات الترقيع، ويغذيه كذلك الشعور بـ”الحقرة” خاصة ازاء قوات الشرطة بممارساتها المعادية للأمازيغ.
فالعامل العرقي أو المذهبي هو فقط أحد منافذ مشاعر الاستياء الشديدة الارتباط بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية لجزء كبير من المواطنين، لاسيما الشباب الواقع تحت طائلة البطالة المتوطنة في هذه المنطقة من الجنوب الجزائري التي لازالت تنتظر حظها من التنمية الموعود بها رسميا، وإن كان ذلك بعيدا عن التحقق، لأن الواقع يقول ذلك.
إن ولاية غرداية مثل مناطق أخرى من جنوب الجزائر، على الرغم من كونها مصدرا للثروة الوطنية من خلال الودائع الباطنية من النفط والغاز، تعد الأكثر تعرضا للبطالة والإقصاء الاجتماعي مع افتقارها كليا لبنية تحتية ولمخطط تنموي مقارنة مع مناطق الشمال، والصور المتداولة إعلاميا لغرداية تغني عن التعليق.
وذهب محللون جزائريون إلى أن مظاهر الظلم المستشرية وسط فئات عريضة من المجتمع تنذر بانفجار اجتماعي اتخذ في أحايين كثيرة طابع أعمال عنف كبيرة أو عصيان مدني مس حتى جهاز الشرطة.
وقبل أيام، خرج السياسي أحمد بن بيتور وهو وزير أول جزائري سابقا ويحظى باحترام كبير داخل بلده، بتصريح جاء فيه أن الدولة الجزائرية اجتمعت فيها ، اليوم ، كل الشروط العلمية للفشل، إنها في الطريق إلى الانحدار.
إن “عجز” و”إفلاس” الدولة، وصفان ترددا على ألسنة زعماء سياسيين خلال حديثهم عن مجزرة غرادية، بما يمثل إجماعا على عمق أزمة الحكامة بالجزائز.

و.م.ع/حدث كم

 

التعليقات مغلقة.