“في الذكرى السادسة عشرة لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على العرش” صحيفة (البلاد) البحرينية: “المغرب والبحرين… طموح قوي لبناء شراكة ملموسة” – حدث كم

“في الذكرى السادسة عشرة لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على العرش” صحيفة (البلاد) البحرينية: “المغرب والبحرين… طموح قوي لبناء شراكة ملموسة”

بين المغرب والبحرين علاقات تاريخية من التعاون قائمة على الثقة والتقدير المتبادل والتضامن بشأن القضايا الوطنية للبلدين الشقيقين. وفي هذا الصدد نستحضر باعتزاز المواقف الداعمة للبحرين لقضايانا الوطنية ووحدتنا الترابية تماشيا مع مبادئ سياستها الخارجية التي تؤمن بالمحافظة على سيادة الدول وسلامة أراضيها وفق ما نص عليه ميثاق العمل الوطني.
إن القمة التي جمعت صاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظهما الله في شهر مايو الماضي بالرباط تجسيد لتوطيد التشاور للارتقاء بهذه العلاقات خدمة للمصالح الحيوية المشتركة. وهذا ما عكسه، بكل قوة، البيان الذي صدر بمناسبة هذه الزيارة الأخوية الذي أكد نهج مملكة البحرين الثابت وسياستها الراسخة في التلاقي المستمر والتشاور الدائم مع جلالة الملك محمد السادس، في سبيل تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين الشقيقين انطلاقاً من عمق الارتباط بين عاهلي البلدين وإرادتهما الصادقة في تطوير التعاون وحرصهما الأكيد على الاستجابة بفعالية للمتغيرات والتحديات التي تمر بها المنطقة العربية وتبادل الرؤى لكل ما من شأنه تعزيز أمنها واستقرارها.

كما أعرب البيان عن خالص تقدير عاهل مملكة البحرين واعتزازه لمواقف المملكة المغربية الداعمة لبلاده في جميع الظروف وحرصها الدائم على تعزيز وتعميق علاقات التعاون على كافة الأصعدة وتحقيق الأهداف المشتركة بينهما مشيدا “بالجهود الرائدة والبارزة التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في مسيرة تطور وتقدم المملكة المغربية، والذي أرسى نموذجاً سياسياً متقدماً ونهجاً تنموياً متميزاً عزز من خلاله موقع المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي في كافة المجالات”.
ولابد من التأكيد بأن علاقات التعاون عرفت تطورا نوعيًا خلال السنوات الأخيرة. ففضلا عن اتفاقيات التعاون القائمة شمل التعاون المجالات الترابية والأمنية والاقتصادية والثقافية والتربوية والحكامة وحقوق الإنسان. إن حركية هذا التعاون تعكس بشكل واضح مدى التقارب الموجود والإرادة المتبادلة في تقاسم الأنظمة والخبرات.
ومما لاشك فيه أن الجانب الاقتصادي يحتل الصدارة في بناء شراكة ملموسة مع ما يفرض هذا الطموح من جهود فعالة ومتواصلة من الأطراف كافة، بمن فيها الفاعلمن الاقتصاديون لتجاوز الصعوبات التي تحول دون الاستغلال الأمثل للفرص المتاحة وتنمية المبادلات البينية وحركية الاستثمارات في أفق تسخير مكتسبات التعاون الثنائي كقيمة مضافة في الدفع بالشراكة الإستراتجية المغربية – الخليجية.
إن الاتفاقيات الـ 55 للتبادل الحر بين المغرب والفضاء الأوروبي وبلدان متوسطية وعربية ومع الولايات المتحدة الأميركية أهلته بامتياز ليصبح أرضية للإنتاج والتصدير بفضل عوامل الاستقرار السياسي والإصلاحات العميقة التي اعتمدت مقاربة تشاركية ومبتكرة بين الدولة والقطاع الخاص لإعطاء وتيرة أسرع لمسيرة التنمية وخاصة في بعدها البشري وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع جلب الاستثمارات الأجنبية بموازاة مع توفير البنيات التحتية من طرق وطرق سيارة ومطارات وموانئ على الساحلين المتوسطي والأطلسي .

المغرب التزام بدولة القانون
بقدر ما حرص المغرب على تحقيق إقلاع تنموي حقيقي كبلد منفتح اختار نظام التعددية منذ استقلاله الوطني في منتصف خمسينيات القرن الماضي في وقت كانت فيه بلدان العالم الثالث تتهافت نحو إقرار “الحزب الوحيد” وهو المسار الذي تكرس مع اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش المملكة في 1999. وبهذه الإرادة القوية عمل المغرب على ترسيخ مرتكزات دولة القانون والمؤسسات ليشهد النسق الحقوقي إصلاحات غير مسبوقة نص عيها دستور المملكة لسنة 2011، فبعد تجربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي تم إنشاؤه في ظل التحول السياسي الذي شهده المغرب سنة 1990، ليكون إحدى المؤسسات الرئيسية المساهمة في عملية الانتقال الديمقراطي كقوة اقتراحية في نشر ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان وتسوية ملف الانتهاكات أحدث العاهل الكريم في 2002 المجلس الوطني لحقوق الإنسان بصلاحيات أوسع على المستوى الوطني ومختلف الجهات المغربية مما جعله موضع تقدير منظمة الأمم المتحدة وجهات حقوقية دولية.

مخططات تنموية كبرى
أطلق جلالة الملك محمد السادس، منذ توليه الحكم في 1999، سلسلة إصلاحات هيكلية وقطاعية أحدثت طفرة نوعية في بنية النسيج الاقتصادي. فبتوجيه ملكي، جرى اعتماد مقاربة تشاركية في رسم وتنفيذ السياسات التنموية، ترتكز على التعاقد بين الحكومة والقطاع الخاص على أساس برامج قطاعية محددة، وتتضمن التزامات كل طرف وفق جدول زمني واضح وعلى التوازن الضروري بين جهات المملكة وإعطاء كل منها حقها كاملا في التنمية والتطور.

المبادرة الوطنية للتنمية
منذ إطلاقها في 2005 وضعت هذه المبادرة المواطن المغربي في صلب الأولويات والسياسات العمومية، ووفق منظومة قوية من القيم المتمثلة أساسا في احترام كرامة الإنسان، وتقوية الشعور بالمواطنة وتعزيز الثقة والانخراط المسئول للمواطن في التنمية المحلية.
وترتكز على ثلاثة محاور أساسية:
التصدي للعجز الاجتماعي بالأحياء الحضرية الفقيرة والجماعات القروية الأشد خصاصًا.
تشجيع الأنشطة المدرة للدخل القار والمتيحة لفرص الشغل.
العمل على الاستجابة للحاجيات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة.
تعتمد المبادرة مقاربة تشاركية متجددة، تمكن الساكنة وجمعيات المجتمع المدني من التعبير عن الحاجيات والمساهمة في اتخاذ القرارات، وتلتزم بآليات المراقبة والتقييم.

مخطط المغرب الأخضر
تعد الفلاحة القطب التقليدي للاقتصاد المغربي. يسهم بحوالي 19 في المائة من الناتج الداخلي الخام ويشغل 4 مليون من المواطنين في الوسط القروي، ويوفر حوالي 100 ألف منصب شغل في قطاع الصناعات الغذائية. كما يلعب دورًا أساسيا في التوازنات الماكرو- اقتصادية.
وبحسب دراسة مستقبلية حول الفلاحة إلى حدود 2030 أنجزتها المفوضية السامية للتخطيط فإن عوامل مثل النمو السكاني المتزايد وظاهرة الجفاف والتصحر وندرة مياه الري إضافة إلى غياب آليات الحكامة الجيدة والتدبير العقلاني وغياب رأسمال بشري مؤهل، تؤثر على التنمية المثلى لهذا القطاع الحيوي في المغرب.
وقد أعلن جلالة الملك عن مشروع “مخطط المغرب الأخضر” لجعل الفلاحة المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الوطني 15 سنة القادمة وذلك بالرفع من الناتج الداخلي الخام وخلق فرص للشغل ومحاربة الفقر وتطوير الصادرات.
ويهدف المخطط الذي أطلق في 2008، إلى جعل القطاع رافعة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويعتمد على مقاربة شمولية ومندمجة لكل الفاعلين في القطاع الفلاحي. كما يرتكز على تعزيز الاستثمارات وضمان الأمن الغذائي وتطوير القيمة المضافة مع الحد من تأثير التغيرات المناخية والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما يهدف مخطط المغرب الأخضر إلى إنعاش صادرات المنتجات الفلاحية وتثمين المنتجات المحلية.
ويستند المخطط المغرب على دعم الفلاحة العصرية ومساعدة الفلاحين في وضعية صعبة.
وتهدف الدعامة الأولى إلى تقوية وتطوير فلاحة ذات إنتاجية عالية وتستجيب لمتطلبات السوق عبر تشجيع الاستثمارات الخاصة. وتهم هذه الدعامة ما بين 700 و900 مشروع يمثل حوالي 110 إلى 150 مليار درهم من الاستثمارات على مدى 10 سنوات.
فيما تتوخى الدعامة الثانية محاربة الفقر في الوسط القروي عبر الرفع بشكل ملحوظ من الدخل الفلاحي في المناطق الأكثر هشاشة. وينتظر في إطار هذه الدعامة إنجاز 550 مشروعًا تضامنيًا، باستثمار يتراوح بين 15 و20 مليار درهم على مدى 10 سنوات.

رؤية 2020 والمخطط الأزرق والهيئة المغربية للاستثمار
 
تتمثل الإستراتيجية السياحية 2011 – 2020، في نطاق رؤية 2020 في إحداث ست وجهات سياحية جديدة وإضافة 200 ألف سرير وخلق 470 ألف منصب شغل وتوظيف 100 مليار درهم من الاستثمارات، ورفع العائدات السياحية من 60 مليار درهم، حاليا، إلى 140 مليار درهم، سنة 2020، وجلب حوالي 20 مليون من السياح، وبالتالي مضاعفة حجم القطاع السياحي، ما سيجعل المغرب ضمن الوجهات السياحية العشرين الأولى في العالم ووجهة مرجعية في مجال التنمية المستدامة في الحوض المتوسطي.
وتعتمد هذه الإستراتيجية على إنجاز 8 مناطق ترابية لضمان التناسق السياحي والجاذبية الضرورية لتحقيق التموقع الدولي وتثمين المؤهلات السياحية لكل المناطق.

مخططات الطاقات المتجددة
يهدف المخطط استيفاء 42 في المائة من حاجياته من الكهرباء عبر استغلال الطاقات المتجددة (الشمس والرياح والماء) في أفق 2020. .ففي مجال الطاقة الشمسية، يهدف مخطط الطاقة الشمسية، الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس سنة 2009، إلى تطوير محطات إنتاج الكهرباء الشمسية بقدرة إجمالية تصل إلى 2000 ميغاواط في أفق 2019 بكلفة 70 مليار درهم (8.2 مليار دولار). وحددت خمسة مواقع لاستقبال هذه المحطات.

تطوير البناء الحقوقي
إن تجربة وزارة مستقلة بحقوق الإنسان مع التحولات الديمقراطية للتسعينات تطورت بإحداث مندوبية وزارية لحقوق الإنسان في أبريل 2011، باعتبارها هيئة حكومية مهمتها التعاون والتنسيق مع الهيئات المعنية بحقوق الإنسان، واتخاذ الخطوات التي تراها ضرورية من أجل تدعيم احترامها في مجال تطبيق السياسات العامة في انسجام مع الخصوصيات الوطنية والمواثيق الدولية.
وبنفس العزيمة، تجسدت الإرادة الملكية في تطوير البناء الحقوقي وفق مبادئ العدل والمساواة لجعل التشريع الأسري أكثر مسايرة لروح العصر ومتغيرات الحياة الاجتماعية وفق رؤية متوازنة خلاقة ترتكز على ثوابت الأمة الروحية والأخلاقية والانفتاح على القيم الكونية. كما تبلور في إدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية وتأهيل المرأة في مختلف مواقع العمل الوطني. وبموازاة ذلك، أصدر جلالة الملك توجيهاته السامية لإصلاح سلطة القضاء وتكريس ملاءمة القوانين مع الدستور الجديد وأحكام الاتفاقيات الدولية.
وعلى الصعيد الخارجي، برهنت المبادرة الملكية بتسوية وضعية المهاجرين الأفارقة فوق التراب المغربي عن مصداقية المغرب في المجال الحقوقي والتزامه بتعامل إنساني مع حقوق المهاجرين على أساس التضامن والمسؤولية المشتركة.
وحيث لا تنمية اقتصادية من دون تماسك اجتماعي، فإن جلالة الملك محمد السادس جعل من تأمين سبل العيش الكريم ومحاربة الفقر والإقصاء والتهميش وفق سياسة القرب والتفاعل المباشر مع المواطنين في مقدمة الانشغالات سواء في نطاق مبادرة التنمية البشرية التي أطلقها جلالة الملك منذ 2005 والتي تقدم ورشًا نموذجيًا للقضاء على الاختلالات الاجتماعية وتحقيق تنمية منسجمة أو برامج مؤسسة محمد الخامس للتضامن لفائدة الفئات الهشة.
إن التوجه التضامني لدى جلالة الملك محمد السادس ستمتد فيما وراء الحدود الوطنية وخاصة في العمق الإفريقي للمغرب الذي يحرص على تقاسم خبرته في مجالات التنمية البشرية بإفريقيا في إطار التعاون جنوب –جنوب والسعي الحثيث لجلالته كما تؤكد ذلك الزيارات الملكية الموفقة لتعبئة قدرات إفريقيا بثقة وقطيعة مع رواسب الماضي الاستعماري.
ومن هنا وضع المغرب بطلب من الأشقاء الأفارقة المغربية خبرته في مجال تدبير الحقل الديني وعيًا منه بأن الروابط التي تجمعه مع إفريقيا كما كانت عبر التاريخ روابط إنسانية وروحية علمًا أن أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أصدر ظهيرًا شريفًا مؤخرا لإنشاء “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة” التي ستختص في تكوين الأئمة والخطباء ونشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقيمه السمحة.

دبلوماسية فعالة ومتضامنة
إن الإصلاحات العميقة التي عرفها المغرب على الصعيد الداخلي منذ أزيد من عقد ونصف كان لها أعمق الأثر في تكريس الدور الفاعل للمغرب في دوائر انتمائه وجواره وشراكاته على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف.
فالمغرب بفضل الرؤية الملكية المتبصرة والواقعية في التعاطي مع متغيرات نسق دولي متطور وفي ظل المناخ الإقليمي الراهن يقدم اليوم صورة بلد ديمقراطي ومنفتح ومستقر يوجه كل إمكانياته المتاحة للدفاع عن الشرعية والحفاظ على الأمن والسلم تحت لواء الأمم المتحدة والتضامن مع دول الجنوب ومحيطه العربي والإسلامي وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني والقدس الشريف.
فعلى امتداد أزيد من نصف قرن وقف المغرب دائما وبقوة بجانب الحق الفلسطيني وبذل قصارى جهوده من أجل إيجاد حل عادل ومشروع للقضية الفلسطينية مدافعا عن السلام العادل الذي يضمن للشعب الفلسطيني الشقيق إقامة دولته الوطنية المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.
ويعمل صاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس على تقديم أشكال الدعم السياسي والمالي والميداني لقضية القدس عبر الاتصالات المستمرة لجلالته مع القوى الكبرى والأمم المتحدة للضغط على إسرائيل لوقف سياسة الاستيطان التوسعية ومحاولات طمس المعالم الدينية والحضارية والأثرية في القدس في خرق سافر لأحكام القانون الدولي وتجاهل لقرارات الشرعية الدولية.
كما يشرف جلالته على المشاريع الإسكانية والتعليمية والصحية لفائدة المقدسيين من خلال وكالة بيت مال القدس الشريف التي تعمل تحت سلطة لجنة القدس، علما أنها تمول الجزء الأكبر من هذه المشاريع التي لا تخفى أهميتها القصوى في دعم الساكنة المقدسية.

“صحيفة البلاد”

 

التعليقات مغلقة.