ترميم المدينة العتيقة للرباط.. فضاء عريق يستعيد رونقه المعماري لتحقيق الإشعاع الثقافي وتعزيز الاستقطاب السياحي – حدث كم

ترميم المدينة العتيقة للرباط.. فضاء عريق يستعيد رونقه المعماري لتحقيق الإشعاع الثقافي وتعزيز الاستقطاب السياحي

 بقلم بشرى أزور : بواجهاتها الخشبية المنقوشة المجددة، وأسقفها المزخرفة التي تم ترميمها لتستعيد بهاءها المستمد من الطراز المعماري المغربي التقليدي الأصيل، وأرضياتها المرصوفة يدويا، تفتح محلات سوق المدينة العتيقة بالرباط أبوابها للزبناء المغاربة والأجانب، موجهة دعوة للسفر عبر تاريخ عريق ترتسم معالمه في أحياء مدينة تستمد من الماضي قوة دافعة لتحقيق التنمية الشاملة.

حال ولوج الزائر من أحد الأبواب العديدة التي تؤثث السور المحيط بالمدينة، يكتشف فضاء نابضا بالحياة، حركية وازدحام يعكسان قوة النشاط وحجم الرواج الذي تشهده دروب المدينة العتيقة للرباط وأزقتها، كما يقف على العديد من الأوراش القائمة، تشمل ترميم الدور المهددة بالانهيار وتحسين واجهات المنازل والمحلات التجارية فضلا عن ترصيف الأزقة.

“السويقة” كما يسميها سكان المدينة، تعد أهم فضاء نابض بحركية اقتصادية داخل أسوار المدينة العتيقة، يحتضن كافة أنواع الأنشطة التجارية التي تمتد من الحاجيات الأساسية للمواطن من مأكل ومشرب وملبس، إلى الكماليات، من قبيل صياغة الحلي وشتى أنواع الأثاث وتحف الديكور التي تزين المنازل، والتي يقبل عليها المغاربة والأجانب على حد سواء.

هذه التحولات العميقة التي تشهدها المدينة العتيقة بكافة أحيائها تروم إعادة الاعتبار لمكون أساسي من النسيج المعماري والعمراني للعاصمة الإدارية للمملكة، التي تطمح لأن تكون عمليات الترميم التي تروم إعادة رونق المدينة العتيقة وجمالية بناياتها فضلا عن ضمان سلامة الساكنة، تدخل في إطار برنامج شامل لإعادة الاعتبار للمدن العتيقة بعدد من مدن المملكة، بغية استعادة جماليتها وتحسين تنافسيتها الاقتصادية.

في هذا الصدد، أبرز رئيس مجلس جهة الرباط – سلا – القنيطرة، عبد الصمد سكال، أن المدينة العتيقة اليوم تشكل برنامج موضوع كبير ومهم وشامل لرد الاعتبار، يشمل إعادة تهيئة مختلف الشوارع الأساسية للمدينة العتيقة، وتعزيز البنيات المرفقية داخل المدينة العتيقة، ومعالجة جميع المساكن المهددة بالانهيار.

وأوضح السيد سكال، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن البرنامج يشمل أيضا إنشاء مجموعة مواقف للسيارات بمحيط المدينة العتيقة، لتمكين المواطنين من ركن السيارات خارج أسوار المدينة العتيقة، لتيسير الولوج إليها، فضلا عن تعزيز وتطوير الأنشطة الاقتصادية داخل المدينة العتيقة، عبر تهيئة مسالك سياحية، خاصة من خلال تطوير النشاط التجاري داخل المدينة العتيقة.

وأشار إلى أن عمليات الترميم التي تعرفها المدينة العتيقة للرباط، تدخل في إطار برنامج تنموي وضعه مجلس الجهة، يشمل مختلف الأقاليم ومكونات الجهة، مسجلا أن المجلس يساهم في برنامج الرباط مدينة الأنوار بغلاف إجمالي يتجاوز اليوم 200 مليون درهم، كما يساهم في برنامج تهيئة ضفتي أبي رقراق، الذي يهم جزء منه المدينتين العتيقتين للرباط وسلا، بقيمة مالية تتجاوز 129 مليون درهم.

وشدد السيد سكال على أهمية الحفاظ على المدن العتيقة، باعتبارها جزءا أساسيا من التاريخ والتراث ومكونا أساسيا ضمن هوية المغرب وتراثه وتاريخه من جهة، كما أن المدن العتيقة تشكل، من جهة ثانية، مجالات عيش فئات مهمة من الساكنة، مما يتطلب تحسين شروط السكن في منازل المدينة التي عرفت خلال العقود الماضية انتقالا كثيفا للساكنة من العالم القروي نحو المدن، الأمر الذي ساهم في ارتفاع كثافة ساكنة هذه المدينة العتيقة، وبالتالي تدهور المساكن والوضع الاجتماعي الصعب.

وفي هذا السياق، يضيف السيد سكال، يتم التركيز على تعزيز سلامة المباني، خاصة المهددة بالانهيار، من خلال الاتفاقية، الموقعة مؤخرا، بين وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة وشركاء عموميين وخواص، تتعلق بمعالجة المباني الآيلة للسقوط في المدينة العتيقة بالرباط، بغلاف مالي إجمالي قدره 130 مليون درهم، مبرزا أن مجلس الجهة يقدم، في إطار هذه الاتفاقية، مساهمة بقيمة 30 مليون درهم.

كما تضطلع المدينة العتيقة للرباط بدور اقتصادي هام وحيوي، وتشكل القلب النابض لترويج مختلف السلع والبضائع، التي تقبل عليها فئات عريضة من ساكنة المدينة العتيقة نفسها، وأيضا باقي أحياء الرباط وكذا المدن المجاورة، إذ يكتسي هذا الفضاء صبغة خاصة، تجعل منه قبلة للمواطنين الراغبين في اقتناء بضائع داخل فضاء شكل على الدوام رمزا للحركية والرواج الاقتصادي. فداخل المدينة العتيقة تتجاور السلع في انتظام فريد يمكن المواطن من إيجاد ضالته ضمن تجمعات للتجار، حسب أنواع البضائع المعروضة، فنجد محلات لبيع الملابس تصطف جنبا إلى جنب لتتيح خيارات عدة، وكذلك الأمر بالنسبة لمحلات الأحذية، أو البضائع التقليدية والتحف، أو الحلي.

وفي هذا الصدد، أكد السيد سكال أن المدن العتيقة تشكل أقطابا اقتصادية مهمة، خاصة بالنسبة للسلع التقليدية، مبرزا ضرورة الحفاظ على الدينامية الاقتصادية لهذه المدينة وتعزيزها. كما أنها تشكل فضاءات استقطاب قوي في المجال السياحي وعناصر مهمة لتطوير السياحة.

وتندرج مختلف المشاريع الرامية إلى ترميم فضاءات المدينة العتيقة وتأهيل المباني المهددة بالانهيار، إلى تحقيق إشعاع اقتصادي وثقافي ينسجم مع كافة الأوراش التنموية التي تشهدها الرباط، التي تطمح لأن تصبح مدينة للأنوار ومركزا للإشعاع الثقافي القادر على جذب وتعزيز دينامية سياحية اقتصادية.

يعتبر السيد سكال أن مجلس الجهة يعمل، إلى جانب باقي الشركاء، على تحقيق مفهوم الاستدامة من خلال أبعادها المتعددة، موضحا أن الاهتمام بمختلف مكونات المدينة العتيقة يمكنها من أن تصير مصدرا مهما للتنمية الاجتماعية.

فعلى المستوى الاجتماعي، أكد رئيس مجلس الجهة ضرورة ضمان استفادة جميع مكونات المجتمع من ثمار التنمية، خاصة من خلال تمكين ساكنة المدينة العتيقة من الاحتفاظ بمنازلها، فيما شدد ،على المستوى الثقافي، على ضرورة مراعاة التنمية للحفاظ على الموروث الثقافي وتشجيع التنوع عند الحفاظ على المدينة العتيقة.

كما أن الاهتمام بالبعد الثقافي، حسب السيد سكال، لا يرتبط فقط بالموروث المعماري، بل يعكس بنية وشبكة علاقات اجتماعية وثقافة عريقة مترسخة، تهتم بالحفاظ على شكل المدينة ودروبها والنقش والزخارف.

ويظل الإقبال السياحي محورا هاما ضمن، إذ تسعى الرباط، التي ظلت لوقت طويلا مدينة عبور سياحي، لأن تصبح مدينة للاستقطاب السياحي. وفي هذا الصدد، يستعرض السيد سكال مختلف المشاريع المنجزة من طرف شركة “الرباط تهيئة”، التي أعطت رونقا جديدا للمدينة وساهمت في الرفع من إقبال السياح، مسجلا أن هناك توجها لتطوير استقبال دور الضيافة داخل المدينة العتيقة.

جمالية المنظر والجاذبية الاقتصادية تعد أهم النقاط التي حظيت باهتمام ساكنة وتجار المدينة، ففي تصريحات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء داخل أسوار المدينة العتيقة، عبر عدد من التجار عن الرضا إزاء الأوراش التي تشهدها المدينة، رغم عدم اكتمالها بعد، معتبرين أن من شأن هذه الأوراش أن تساهم في تعزيز جاذبية المدينة العتيقة.

وهو الرأي الذي تعبر عنه السيدة سناء، تاجرة، التي ترى أن الإصلاحات أعطت قيمة مضافة للمدينة العتيقة، التي أضحت قبلة للعديد من الزوار المغاربة والأجانب، مسجلة أن المدينة العتيقة ستتمكن، بعد اكتمال الإصلاحات، خاصة ما يتعلق بتهيئة مواقف ركن السيارات خارج الأسوار وتأهيل المداخل الرئيسية للمدينة، من استقطاب عدد أكبر من السياح، وبالتالي رد الاعتبار لها على غرار باقي المدن العتيقة في المغرب.

وأضافت أنه، في الوقت نفسه، يتعين على التجار مرافقة الإصلاح، من خلال توفير منتجات ذات جودة تنال رضا الزوار، وتواكب جمالية المنظر الخارجي للمحلات التجارية.

من جهته، سجل السيد عبد الله الرميدي، أمين إحدى جمعيات التجار ، أن التغييرات التي تشهدها المدينة العتيقة نجحت في الحفاظ على روح المدينة العتيقة، وتعكس جوهرها المتمثل أساسا في كونها واجهة للصناعة التقليدية، سواء ما يتعلق بالملابس أو الزرابي أو الاحذية أو صياغة الحلي، مما سيشجع على إقبال أكبر مستقبلا، بعد انتهاء أشغال الإصلاح.

أشغال ترميم فضاءات المدينة العتيقة بالرباط، التي تعمل بشكل دؤوب على تغيير صورتها، تسعى إذن لإعادة الرونق لفضاء يحفل بتاريخ المدينة، كما تطمح لتحسين ظروف عيش الساكنة من خلال تحسين الاستقطاب الاقتصادي والسياحي، وبالتالي تحريك عجلة التنمية الشاملة.

التعليقات مغلقة.