التنقل المستدام في النمسا.. القطع مع الطاقات الأحفورية! – حدث كم

التنقل المستدام في النمسا.. القطع مع الطاقات الأحفورية!

فيينا / رشيد سامي:  في النمسا، ورغم التأخر المسجل في مجال السيارات الكهربائية، تضاعف السلطات جهودها في السنوات الأخيرة لرفع تحدي التنقل المستدام، باعتباره الخيار الوحيد لتقليص التبعية للطاقات الأحفورية وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وتحتل النمسا المرتبة السابعة بما يزيد على 4 آلاف عربة كهربائية جديدة في 2017، متخلفة بشكل كبير عن النرويج التي تأتي في الصدارة بتسجيل 33.791 وحدة جديدة، بما يمثل 17,2 في المائة من إجمالي المبيعات. وقد تم على الصعيد الأوربي تجاوز عتبة 500 ألف عربة كهربائية متداولة في 2017 التي سجلت مستوى قياسيا بـ 149.086 طرازا جديدا. وبذلك حققت السوق الأوربية للعربات الكهربائية قفزة بنسبة 43,9 في المائة مقارنة بسنة 2016.

السيارات الكهربائية دون غيرها في عام 2050

ولتدارك هذا التأخر واللحاق بركب رواد هذا المجال على صعيد الاتحاد الأوربي، اقترحت الوكالة النمساوية للبيئة على الحكومة خطة تهدف إلى وضع حد لتسويق العربات التي تعمل بالديزل والبنزين في أفق سنة 2020، بحيث يقتصر أسطول السيارات في البلاد على العربات الكهربائية والعربات العاملة بالهيدروجين في عام 2050.

وشدد مدير الوكالة يورغن شنايدر، في تصريح صحافي، على أن “التخلص من استعمال الوقود الأحفوري (البترول والغاز الطبيعي والفحم) ممكن تماما في النمسا”، معتبرا أن “من اللازم أن تسطّر أهداف طموحة في هذا المجال”.

وللوفاء بالتزامات النمسا في إطار اتفاق باريس (كوب 21)، تأمل الوكالة النمساوية للبيئة في منع بيع السيارات الحرارية (العاملة بالبنزين والديزل) في أفق 2020 ثم حظر استعمالها نهائيا في أفق 2050. ولتحقيق هذا الهدف الطموح، من المتوقع إحداث رسم تتم بموجبه”معاقبة” ملاّك الطرازات الحرارية اعتبارا من سنة 2020.

10 آلاف سيارة كهربائية متداولة

وهكذا تسعى النمسا إلى أن تحذو حذو النرويج أو هولندا أو الهند، وهي دول تطمح إلى أن تقلص بشكل ملموس، بل وأن تمنع بيع العربات التي تعمل بالديزل والبنزين في أفق سنة 2030 على أبعد تقدير. وسوف تخدم هذه القيود الطرازات الكهربائية 100 في المائة والعربات الكهربائية العاملة بالهيدروجين (باستخدام خلية وقود).

وفي المدن الكبرى، تقترح الوكالة، أيضا، استبدال الحافلات العاملة بالديزل والحافلات الهجينة بأخرى كهربائية أو عاملة بالهيدروجين.

وكانت وزارة النقل والابتكار والتكنولوجيات قد أنشأت في 2006 الجمعية النمساوية لنُظم الدفع المتقدمة بغية ضمان التدبير الأمثل للابتكار في مجال نُظم الدفع المتقدمة والمصادر الطاقية. وتمول الوزارة أيضا تطوير تكنولوجيات المركبات المنخفضة الاستهلاك، مع إعطاء الأولوية لتطوير نُظم الإنتاج البديلة والوقود البديل والنظم الإلكترونية المبتكرة والمواد الخام، في إطار برنامج وطني ضخم للبحث في مجال التنقل. وفضلا عن ذلك، يمول الصندوق النمساوي للمناخ والطاقة التكنولوجيات الصاعدة للتنقل الكهربائي.

ومع ذلك، فإن استخدام العربات المزودة بنُظم الدفع البديلة (خلية وقود أو عربات هجينة أو عربات كهربائية) ما يزال محدودا في النمسا، بحولي 10 آلاف سيارة كهربائية متداولة في البلاد من أصل حظيرة سيارات تفوق 6 ملايين ونصف، خلافا لسوق الدراجات الكهربائية التي تشهد نموا ملحوظا.

إلا أن أمام القطاع مستقبلا زاهرا، كما يبين بحث أنجزته كلية الاقتصاد في فيينا بتعاون مع شركة فيينا للطاقة ومكتب تدقيق الحسابات والاستشارة “ديلوات”، كشف أن 49 في المائة من النمساويين يعتزمون اقتناء سيارة كهربائية.

ومن الأسباب التي ساقها المستجوبون لهذا الولع بالسيارات الكهربائية الحرص على العناية بالبيئة من خلال خفض التلوث، إلى جانب المزايا المتعلقة بالتأمين. أما العوامل التي لا تحفز على اقتناء سيارة كهربائية، حسب البحث، فتشمل على الخصوص غلاء سعرها ونقص المحطات المتخصصة في تموين المركبات بالكهرباء.

واعتبرت الصحيفة النمساوية “ﻓﻮﻟﻔﺴﺒﻮرﻏﺮ ناشريختن”، التي حثت على تحقيق خفض حقيقي للانبعاثات الملوثة، أن على السياسة أن تستثمر في مجال البنى التحتية، مسجلة أن اعتماد المركبات الكهربائية على المديين المتوسط والطويل أمر حتمي.

وشددت الصحيفة، في أحد أعدادها، على أن “على السياسة أن تساعد في تغيير الاستراتيجية بحيث يصبح التنقل بالمركبات الكهربائية حقيقة واقعة. فينبغي القطع مع سياسة الدعم، سواء منه المفتوح أو المقنَّع، الموجه للعربات التي تعمل بالوقود، ولمنحة التخلص من السيارات القديمة، وللطاقات النظيفة”، معتبرة أنه عوض توجيه مشتريات الأفراد بأموال دافعي الضرائب، يجدر بالسياسة أن ترصد اعتمادات للبنى التحتية.

نحو “مدن الدراجات الهوائية

في انتظار تعميم استخدام السيارات الكهربائية في هذا البلد الألبي الصغير (8,7 مليون نسمة)، تبحث العاصمة النمساوية فيينا، الحريصة على محاربة اكتظاظ المرور، عن طريقة جديدة للتعامل مع وسائل النقل، بمشروع سكني يتمحور حول حاجيات راكبي الدرجات الهوائية، أطلق عليه اسم ”مدينة الدراجات الهوائية”.

وتتوفر البناية على مصاعد كبيرة، وعلى مرآب مؤمن للدراجات الهوائية وورشة إصلاح. وتمكن مصممو البناية من التخلص من المعيار التالي.. تخصيص مكان إجباري لركن السيارة لكل فرد. ومكن ذلك من توفير فضاء مكلف وتوفير المال، الذي تم استثماره في تجهيزات ترفيهية كحمامات بخار، وفضاءات للاسترخاء وفضاءات خضراء التي تشكل نصف مساحة المدينة.

وتكمل الـ 280 حديقة هذه اللوحة، بينما تدعو مناطق الاستجمام القريبة مثل (لو براتير) وغابة فيينا و(لوبو) إلى قيام بجولات على الأقدام أو على الدراجات الهوائية.

وتتوفر فيينا على أكثر من 2000 فضاء أخضر، وتم وضع حجر أساس هذا الفضاء الأخضر الضخم (19 ألف هكتار) الذي تقريبا يحيط اليوم المدينة، منذ أكثر من 100 سنة.

وبحسب دراسة حديثة لجامعة التكنولوجيا بفيينا، يمكن للنمسا أن تلبي، بنسبة 100 في المائة في أفق 2030، حاجيات الكهرباء المنزلية فقط بفضل الطاقات المتجددة، وهذا بدون أن تكلف هذه العملية تكاليف إضافية مهمة.

 وحسب نفس الدراسة، سيمكن استعمال الطاقات المتجددة من إحداث 33.900 منصب شغل في أفق 2030 بقيمة مضافة تقدر بـ 3,1 مليار درهم، مسجلة أن تشجيع التنقل النقي سيقلص من تلوث الجو ومن تكاليف الصحة في البلد.

 

 

التعليقات مغلقة.