النص الكامل للرسالة الملكية السامية بمناسبة تسليم جائزة الحرية "مارتن لوثر كينج أبراهام جوشوا هيشل" الممنوحة للمغفور له صاحب الجلالة الملك محمد الخامس | حدث كم

النص الكامل للرسالة الملكية السامية بمناسبة تسليم جائزة الحرية “مارتن لوثر كينج أبراهام جوشوا هيشل” الممنوحة للمغفور له صاحب الجلالة الملك محمد الخامس

21/12/2015

نيويورك :وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رسالة سامية، امس الأحد بنيويورك، خلال حفل تسليم جائزة الحرية “مارتن لوثر كينج أبراهام جوشوا هيشل”، الممنوحة للمغفور له صاحب الجلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه.

وقد تسلمت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء هذه الجائزة باسم صاحب الجلالة الملك محمد السادس. وفي ما يلي النص الكامل للرسالة الملكية السامية، التي تلاها السيد أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك :

“الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على كافة أنبيائه ورسله.

أصحاب المعالي والسعادة،.

السيد الرئيس،.

حضرات السيدات والسادة،.

إن الدعوة التي وجهتموها هذا المساء للمملكة المغربية لبمثابة موعد مع التاريخ، فالحدث من طينة الأحداث التي تصنع التاريخ وتكتب صفحاته بمداد من ذهب، تلك الصفحات المشرقة من تاريخ البشرية التي تخلد لصمودها، اليوم كما بالأمس، في وجه متاهات الشرخ الثقافي والديني والاجتماعي.

وأدعوكم هنا للتأمل ولو للحظة في مضمونها لاستيعاب كنهها وإدراك قيمتها.

ففي هذا الكنيس، في قلب مدينة نيويورك ومن على مرتفعات مانهاتن، يطل علينا رمزان من رموز هذه الأمة، ألا وهما القس مارتن لوثر كينج والحاخام أبراهام جوشوا هيشل، ومن مرقدهما الخالد، ليشهدا احتفاءنا باسميهما ونضالاتهما وانتصاراتهما، من خلال تكريم والدنا المنعم، جلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه.

فجائزة الحرية التي قررتم إطلاقها وربطتم اسمها برمزين خالدين من رموز النضال من أجل الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية، ستمنح في أول دوراتها هذا المساء وسيسجل ذلك التاريخ، للمغفور له صاحب الجلالة الملك محمد الخامس، بطل المغاربة الخالد وملهم كل الشعوب التواقة للحرية والكرامة، المتجذرة في أعماق هويتنا العريقة والمنفتحة على العالم، والتي ما فتئت المملكة المغربية تغذيها من غنى اختلافاتنا.

حضرات السيدات والسادة،.

هذا هو بالضبط المغرب، مغرب الشجاعة والتشبث بأسمى القيم، الذي اخترتم تكريمه هذا المساء، من خلال تذكيركم، من مدينة نيويورك، بأن جلالة الملك محمد الخامس ورغم واقع الحماية القاسي الذي فرضته عليه فرنسا، وفي وقت كانت بدورها ترزح تحت احتلال القوات النازية، رفض رفضا تاما تطبيق القوانين العنصرية لحكومة فيشي على المواطنين اليهود المغاربة.

وكان هذا الصمود الملكي الرائد والمقاومة الشعبية المستلهمة من نور الإسلام، انطلاقا من القصر الملكي بالرباط، بمثابة امتداد لتعاليم الفيلسوف الكبير ابن رشد، الذي كان يردد في زمانه بأن المدينة تعكس أفضل ما لديها حين يتماهى قضاتها، وعلى رأسهم حاكمها، مع أسمى قيم الانسانية وأكثرها تنورا.

السيد الرئيس،.

حضرات السيدات والسادة،.

إنني وأنا أتوجه لكم اليوم، ونحن نودع سنة 2015، أرى في هذا التكريم الذي تحظى به المملكة المغربية هذا المساء، وأنا على يقين أنكم تدركون هذا الشعور، أكثر من مجرد تذكير واحتفاء بصفحة نموذجية من صفحات تاريخ كتب قبل أزيد من 70 سنة.

فنحن اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى لاستخلاص الدروس والعبر من صفحات هذا التاريخ، من أجل مقاومة الانحرافات القاتلة لكل من يرهنون ثقافاتنا ومعتقداتنا الدينية وحضاراتنا.

إننا نعيش في زمن وفي عالم باتت فيهما المخيلة الجماعية لمجتمعاتنا لا تنفك تشكو من أتون الاضطهاد والتخلف الفكري، ولابد لنا من النهل من عمق الإرث الذي تركه لنا جدنا المنعم جلالة الملك محمد الخامس، ومن روح صموده، من أجل إعادة بناء فضاء الرشد والاحترام المتبادل الذي افتقدناه في كثير من بلداننا.

واسمحوا لي أن أشير هنا إلى أن الذكرى هي التي غابت أحيانا عن مجتمع الأمم، الذي غالبا ما أدار ظهره للتركيبة الغنية لتاريخ كل أمة من أممنا.

ولا شك أن تذكير هذا المجتمع الدولي، كما نفعل هذا المساء، بأن بلدانا مثل بلدي، تنتمي للعالم العربي والإسلامي، وقفت في وجه الوحشية النازية، سيساهم لا ريب في تغليب شيء من الحكمة والرزانة كلما تعالت الأصوات المعادية للإسلام والتبس الأمر ولو بطرق سخيفة إلى أبعد الحدود على دعاة ثقافة الرفض والإقصاء ونبذ مبادئ العيش المشترك.

حضرات السيدات والسادة،.

أود أن أختم بتوجيه التحية لمئات الطلبة الأمريكيين الذين يحضرون هذا الحفل والذين اختاروا، بمبادرة من السيد بيتر كريفين، مؤسس منظمة كيفونيم التي تجمعنا هذا المساء، التوجه إلى المغرب لدراسة تاريخنا وثقافتنا وتعلم اللغة العربية والتعرف على الدين الإسلامي.

هؤلاء الطلبة الذين ينتمون في معظمهم للطائفة اليهودية الأمريكية سيصبحون غدا فاعلين داخل مجتمعاتهم، ولكن من طينة مختلفة، طينة ثمينة لأنها تحملت عناء الانفتاح على الآخر، في سبيل فهم عاداتنا المتشابكة والمتضامنة فهما أعمق وبناء مستقبل مختلف ومصير مشترك مختلف وغني بما يحمله هذا التاريخ من وعود، هذا التاريخ الذي أدركوا وهم في المغرب بأنه لا يكتب في صيغة الماضي فقط.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

 

التعليقات مغلقة.