أدى أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم، صلاة الجمعة بمسجد رمضان بمدينة سلا.
وخصص الخطيب خطبتي الجمعة لموضوع المرأة، مبينا في مستهل الخطبة الأولى أنه يحق لنا في هذه المملكة الشريفة، بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة في العالم هذا الأسبوع، أن نقف عند ما تحقق من تمكين المرأة من حقوقها، وأن نتوقف على ما أتيح لها من فرص المساواة في الترقي الاجتماعي إلى جانب أخيها الرجل، أولها وأعظمها أثرا فرصة التعليم.
وتابع أن اجتهاد المرأة في التعليم ونبوغها فيه هو ما أهلها إلى المناصب والمسئوليات في مختلف سلاليمها ودرجاتها، سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام، لأن الترقي في كليهما يقوم على الاعتراف بالاستحقاق والمردودية، مؤكدا أن تمكين المرأة من المسئوليات العليا يرجع الفضل فيه إلى الثقة المولوية التي وضعها أمير المؤمنين، حفظه الله، في المرأة المغربية، فعهد إليها بالوزارة والسفارة وبمناصب سامية في تدبير السلطة العمومية.
ومما يثير الانتباه، يضيف الخطيب، “أن التطور الإيجابي جاء طبيعيا سلسا، والفضل في ذلك يرجع إلى رصيدنا الحضاري، لأن المغاربة بثوابتهم الدينية السمحة وحضارتهم العريقة، محميون من الأفكار الظلامية المتحجرة التي تنظر إلى المرأة نظرة ازدراء واحتقار”، مشيرا إلى أن تاريخ المغرب عرف من بين النساء عالمات فقيهات، وصالحات مبجلات، وتاجرات ومجاهدات ومناضلات.
وسجل، في هذا الصدد، أن حضارة المغرب لم تكتشف حقوق المرأة في القرن العشرين، بل إن هذه الحقوق قد بناها الدين، الذي احتفى بالمرأة أيما احتفاء، وكرمها أعظم تكريم، وأنزلها المنزلة اللائقة بها، وساوى بينها وبين الرجل في الالتزام بأوامر الدين، مبينا أن نصوص الكتاب وهدي السنة حافلان بحث الرجل والمرأة على عمارة هذا الكون متآزرين متكاملين.
وقال الخطيب إن المغرب يشهد على يدي إمامنا الهمام، أمير المؤمنين، تجديدا في كل مقتضيات الميادين، ومن بينها مدونة الأسرة التي انبنت على اجتهاد واسع، بلغ به أمير المؤمنين شأوا بعيدا في القصد، دون أن يحلل حراما أو يحرم حلالا، وبذلك أدى، حفظه الله، أمانته في حفظ قيم الدين، وتحقيق الصلاح الذي يرضي رب العالمين، وتبقى مسئولية تنزيل هذه التدابير على أفراد المجتمع، كل من موقعه، لأن سلوك الناس هو الذي يعطي للقوانين الإصلاحية مغزاها، وعلى تصرفاتهم يتوقف وضع الأمور في نصابها، وهذا ما يفهم من قول المبلغ صلى الله عليه وسلم عندما قال: ” ألا هل بلغت، اللهم اشهد”.
ومن جهة اخرى، أشار الخطيب إلى أنه ينبغي التذكير بأمرين مهمين في علاقة مع مكانة المرأة وتكريمها، الأول أن ما عرفته المرأة في تاريخ المسلمين ولا تزال تعرفه في بعض بلدان الإسلام، من جحود لحقوقها، أو تنقيص من حريتها وكرامتها، لا يرجع قط إلى أحكام الإسلام وقيمه، وإنما يرجع في معظمه إما إلى الجهل بهذه الأحكام والقيم، وإما إلى عادات قبلية مستحكمة مبنية على غطرسة الرجل في ظروف معيشية معينة، وإما إلى المصالح الأنانية والشهوات الفردية.
وقال في هذا الصدد، إنه من السهل على كل باحث موضوعي أن يتأكد من أن ما ينسب إلى الدين في هذا الموضوع محض افتراء، مؤكدا أن جهل بعض الرجال وأغراضهم، قد جعلت أوضاع المرأة تتردى في أوساط بعض المسلمين، الأمر الذي جعلهم اليوم يتلقون دروس المبرة بالمرأة والإحسان إليها من غيرهم، هذا الغير الذي صارت مواثيقه هي المرجع في حفظ حقوق أقر الإسلام جوهرها منذ أربعة عشر قرنا.
أما الأمر الثاني، يوضح الخطيب، فيتعلق بطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار الأسرة من منظور ديننا الحنيف، وهي علاقة المودة والرحمة والمساكنة، مصداقا لقول الله تعالى “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، مبرزا أنه إذا كانت الأحكام المتعلقة بحالات الحقوق مكرسة ثابتة في الدين، فإن الوصول إلى جوهر هذه العلاقة يتوقف على التربية، تربية الأمهات، وتربية المدارس، التي تنفخ في روح الفتيان والفتيات أخلاق العطاء والصبر وإنكار الأنانية.
وفي الختام ابتهل الخطيب وجموع المصلين إلى الله عز وجل بأن يحفظ أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، وينصره نصرا عزيزا، ويقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، ويحفظه في كافة أسرته الملكية الشريفة.
كما تضرع المصلون إلى الله تعالى بأن يغدق سحائب مغفرته ورحمته ورضوانه على الملكين المجاهدين، مولانا الحسن الثاني ومولانا محمد الخامس، ويكرم مثواهما ويجعلهما في مقعد صدق مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
التعليقات مغلقة.