مائوية نهاية الحرب العالمية الاولى : هؤلاء الجنود المغاربة الأشاوس الذين حاربوا من أجل فرنسا – حدث كم

مائوية نهاية الحرب العالمية الاولى : هؤلاء الجنود المغاربة الأشاوس الذين حاربوا من أجل فرنسا

أمينة بلحسن: يشكل تخليد فرنسا خلال هذه الأيام للذكرى المائوية لنهاية الحرب العالمية الأولى من خلال تنظيم احتفالات ضخمة ومنتدى للسلام بحضور العديد من رؤساء الدول وحكومات البلدان التي حاربت إلى جانب فرنسا، مناسبة لاستحضار التضحيات الجسام التي قدمها الشعب المغربي تحت رعاية ملوكه المنعمين وفرصة للوقوف بكل إجلال وإكبار أمام الملاحم الخالدة التي سطرها البلدان بحروف من ذهب في سجلات تاريخهما المشترك.

ولا شك أن هذا المجهود الكبير لحفظ وصيانة الذاكرة الذي تعكسه هذه الاحتفالات ،يكتسي أهمية بالغة على اعتبار أنه يساهم بشكل كبير في إبقاء ذكرى هؤلاء الأبطال البواسل مشتعلة وحاضرة في نفوس الأجيال المتعاقبة لأنهم قدموا أرواحهم فداء لمواجهة الشر وللدفاع عن كرامة الإنسان والانتصار للمبادئ المشتركة ولقيم الحرية والديمقراطية والعدالة .

وقد أتاحت ندوة نظمت مؤخرا في إطار الاحتفال بالذكرى المائوية لتوقيع هدنة 11 نونبر 1918 التي أنهت الحرب العالمية الأولى احتضنها مقر ” مؤسسة شارل ديغول ” المرموقة في باريس الفرصة لاستحضار المشاركة البطولية لحوالي 40 ألف من الجنود المغاربة في جميع المعارك والمواجهات الكبرى التي خاضوها ضد الغزاة .

وذكر المشاركون في هذا اللقاء أنه إضافة إلى الشق العسكري والبطولات والملاحم التي خلدها الجنود المغاربة في مختلف المعارك التي خاضوها في إطار الحرب العالمية الأولى فإن المجهود الحربي للمغرب إبان تلك الفترة كان أيضا اجتماعيا واقتصاديا من خلال إرسال المملكة في السنوات الأربع التي استغرقتها هذه الحرب ( 1914 ـ 1918 ) حوالي 34 ألف و500 من العمال إلى مختلف المدن الفرنسية بالإضافة إلى شحن كميات مهمة من المواد الغذائية لدعم ومساعدة فرنسا .

وشدد المتدخلون خلال هذه الندوة على أن الالتزام الثابت والقوي للمغرب إلى جانب الحلفاء هو من رسخ مفهوم ” الأخوة ورفقة السلاح ” الذي كتبه الجنود المغاربة والفرنسيون بدمائهم مستعرضين مختلف المواقف البطولية التي تبناها المغرب ملكا وشعبا من أجل تحرير فرنسا .

وأشاد المتدخلون عاليا خلال هذه الندوة بوقوف المغاربة قاطبة استجابة لنداء ملوكهم إلى جانب فرنسا منوهين بالشجاعة التي أبان عنها الجنود المغاربة في المعارك التي خاضوها على مختلف جبهات القتال من أجل الدفاع عن قيم الحرية والكرامة .

وقال شكيب بنموسى سفير المغرب في فرنسا ” في هذه الأوقات العصيبة التي تواجه فيها العديد من البلدان الإرهاب وآفات أخرى منها طمس الهوية ،يفرض واجب الذاكرة على الأجيال الحالية أن تعرف الأجيال المستقبلية بمختلف المعاني والقيم النبيلة التي دافع عنها الأجداد ” مشيرا إلى أن الاحتفاء بالأحداث والأماكن والمعالم ” يشكل جزء من هذا التمرين الذي يستهدف إعادة تنشيط الذاكرة وتحفيزها على استحضار بكل فخر وتقدير ذلك الالتزام القوي الذي أبان عنه هؤلاء الرجال الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الانتصار للقيم المشتركة ولمبادئ الحرية والديموقراطية والعدالة والسلام والتسامح والعيش المشترك ” .

وبدوره سلط المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مصطفى الكثيري الضوء على أهمية استحضار الذاكرة من خلال تأكيده أن المغرب وفرنسا ما فتئا يعملان باستمرار على تثمين الذاكرة التاريخية المشتركة بينهما والتي تبقى غنية بالدروس والعبر لفائدة الأجيال الصاعدة .

وذكر السيد الكتيري في هذا الصدد بالنداء الذي أطلقه السلطان مولاي يوسف غداة الحرب العالمية الأولى وكذا بنداء جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه يوم 3 شتنبر 1939 والذي حث من خلاله الشباب المغاربة على الانخراط في الجيش الفرنسي من أجل الدعم العسكري واللوجستي لجيوش الحلفاء في أوربا .

كما كانت هذه الندوة مناسبة لاستحضار هذه الصفحة المجيدة من التاريخ المشترك بين البلدين خاصة عندما تم توشيح جلالة المغفور له الملك محمد الخامس بوسام ” رفيق السلاح ” من طرف الجنرال ديغول عام 1945 وذلك تقديرا واعترافا بشجاعة جلالته ورؤيته المتبصرة وكذا تكريما لتضحيات الجنود المغاربة ضد الاحتلال النازي وإسهاماتهم الكبيرة والنوعية في المجهود الذي أفضى إلى انتصار القيم والمبادئ التي كان المغرب ولا يزال يتقاسمها دوما مع العالم الحر .

كما شدد المشاركون في هذه الندوة على أهمية الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها القيم التي تتقاسمها كل من فرنسا والمغرب من أجل رفع ومواجهة التحديات المشتركة وبالتالي العمل على بناء شراكة متجددة وقوية بين البلدين .

لقد ظل تاريخ العلاقات بين فرنسا والمغرب على الدوام ينصهر مع الصداقة العميقة الجذور التي كانت ولا تزال تجمع بينهما منذ القديم والتي تتم تغذيتها وتقويتها على مر السنين من خلال شراكة استثنائية ستتطور لا محالة أكثر في المستقبل وذلك خدمة لكلا البلدين ولمصالحهما المشتركة .

يقول شارل سانت برو المدير العام لمرصد الدراسات الجيوسياسية بباريس في هذا الصدد ” إن رابطا وثيقا وفريدا يوحدنا. لقد تشكل هذا الرابط عبر تاريخنا المشترك بمختلف أبعاده وتمظهراته المتنوعة منذ فترة الحماية بالأمس إلى شراكة اليوم . إنه أكبر بكثير من مجرد إرث فهو حقيقة وواقع يتشكل كل يوم كما أنه يعد بمستقبل واعد ” .

ح/م

التعليقات مغلقة.