الحكومة سنة 2018: جهود للوفاء بالالتزامات في سياق تطبعه انتظارات وتحديات كبيرة – حدث كم

الحكومة سنة 2018: جهود للوفاء بالالتزامات في سياق تطبعه انتظارات وتحديات كبيرة

إذا كانت الحكومة، التي يترأسها سعد الدين العثماني، قد عملت جاهدة هذا العام على تنفيذ أقصى ما يمكن من البرنامج الحكومي خاصة على مستوى القطاعات الاقتصادية الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم والصحة والتشغيل، فإنها اصطدمت بحجم التحديات والانتظارات المجتمعية وعلى رأسها تحسين الخدمات والرفع من القدرة الشرائية لشريحة عريضة من المواطنين.

وتمثلت هذه التحديات أساسا في تطوير القدرة الإنتاجية للاقتصاد المغربي ، وتعزيز الخيار الصناعي ومخطط التسريع الصناعي وتطوير قطاعات جديدة ذات قيمة مضافة عالية، فضلا عن إعادة الثقة للمواطن في المؤسسات في ظل احتقان اجتماعي تعددت أشكاله ومطالبه.

وضمنت الحكومة برنامجها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي أهدافا وتدابير قالت إنها واقعية وقابلة للانجاز وذات أثر مباشر على عجلة النمو ووقع على المعيش اليومي للمواطن، حيث راهنت على تحقيق معدل نمو في حدود 3،2 في المئة والتحكم في العجز التجاري ليظل في حدود 3 في المئة، والابقاء على نسبة التضخم في أقل من 2 في المئة.

كما أكدت التزامها بمواصلة الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحسين الوضعية الاقتصادية والمالية للمغرب، وعيا منها بأهمية الإسراع في تنزيل الإصلاحات الأساسية المضمنة في البرنامج الحكومي خاصة في مجالات الحكامة ومناخ الأعمال والتعليم وسوق العمل، والتي من شأنها تحسين ثقة الفاعلين في الاقتصاد الوطني والنهوض بعجلة الاستثمار والتنمية.

لكن ماذا تحقق من هذه الاهداف خلال سنة 2018 ؟ لقد عملت الحكومة على تفعيل عدد من التدابير الواردة في برنامجها، وخاصة ما يهم مواصلة المجهود العمومي في الاستثمار وجلب الاستثمارات الخارجية، والنهوض بالقطاع الصناعي والمقاولة عبر مواصلة تفعيل ودعم مخطط التسريع الصناعي 2014-2020، للرفع من الصادرات وتقليص العجز التجاري الذي تفاقم بنسبة 8,2 في المائة نهاية شتنبر الماضي، ليصل إلى أزيد من 152,2 مليار درهم، مقابل 140,7 مليار درهم خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وفق بيانات مكتب الصرف.

كما أن توقعات النمو لسنة 2018 ، حسب ما أكده العثماني مؤخرا بمجلس النواب، تشير إلى تحقيق نسبة 3,6 في المائة نتيجة القيمة المضافة للقطاع الفلاحي التي يرتقب أن تعرف نموا يقدر بـ5 في المائة، وذلك بفضل وفرة التساقطات المطرية وانتظامها وتوزيعها الجيد في الزمان والمكان، وتطور القيمة المضافة غير الفلاحية بـ 3,2 في المائة إجمالا.

وفي السياق ذاته، عملت الحكومة على تسريع بلورة مجموعة من الإصلاحات همت تحسين مناخ الاعمال وتحفير الاستثمار، ولاسيما العمومي الذي يتوقع أن يبلغ 195 مليار درهم سنة 2018، مقابل 180 مليار درهم سنة 2017 ، بالإضافة إلى الاستثمار في البنى التحتية ودعم المقاولات من خلال الرفع من التحويلات ومن تمويلات الصناديق الاستثمارية، ووضع مجموعة من التحفيزات الضريبية لدعم المقاولات وإنشاء المشاريع خاصة المقاولين الذاتيين والمقاولات الصغرى.

ففي مجال التصنيع والمقاولة والاستثمار، أطلقت بطنجة أشغال بناء أول مصنع بالقارة الإفريقية للمجموعة اليابانية المتخصصة في صناعة أجزاء السيارات “جتيكت كوربورايشن”، بغلاف استثماري يصل إلى 20 مليون أورو، وبطاقة إنتاجية سنوية تصل إلى 300 ألف نظام توجيه ذي تعزيز كهربائي، موجهة إلى المصانع المحلية لمصنعي السيارات الدوليين بالمغرب.

وافتتحت الشركة الألمانية المتعددة الجنسيات “كرومبارغ و شوبارت”، الرائدة في مجال تصنيع أنظمة كوابل السيارات، مصنعا لها بالقنيطرة، باستثمار يناهز 40 مليون أورو. ودشن أيضا مصنع جديد بالقنيطرة لشركة “نوفاريس” الفرنسية لصناعة أجزاء السيارات، في إطار مخطط الاقلاع الصناعي. وكلف إنجاز هذا المصنع الذي سيشغل حوالي 225 عاملا، نحو 20 مليون أورو، فضلا عن تدشين شركات إسبانية وكورية وفرنسية أخرى مصانع لها في مجال الألياف وأجزاء السيارات.

وكان لتدفقات الاستثمارات أثر إيجابي على تصنيف المملكة السنة الجارية في مؤشر ممارسة الاعمال، الذي تصدره مجموعة البنك الدولي، حيث شهد قفزة نوعية بتقدم المغرب بـ9 مراكز مقارنة بالسنة الماضية، من المرتبة 69 إلى 60 من بين 190 دولة شملها التقرير الصادر نهاية شهر أكتوبر 2018، ليتقدم بذلك إلى المركز الثاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “مينا “، وإلى المركز الثالث إفريقيا، علما أن تصنيف المغرب شهد منحى تصاعديا في السنوات الثمانية الاخيرة ب68 مرتبة.

وتعد هذه القفزة النوعية التي شهدها تصنيف المملكة في مؤشر ممارسة الأعمال، ثمرة أوراش إصلاحية عملت الحكومة على تنزيلها خلال السنوات الماضية وهمت تعديل ومراجعة مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية وتفعيل أنظمة إلكترونية لتبادل المعلومات، وتبسيط ورقمنة مجموعة من الوثائق والإجراءات، فضلا عن إنشاء وتطوير شبابيك وحيدة لتيسير تعامل المقاولة مع الإدارة، وذلك من أجل بلوغ هدف المرتبة 50 في مؤشر ممارسة الأعمال في أفق سنة 2021 .

وأكد العثماني، بهذا الخصوص، أن الحكومة ستسهر، عبر اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال، على تطوير وتعزيز آليات الإنصات للقطاع الخاص من خلال جملة من التدابير من بينها وضع آلية إلكترونية للإنصات الدائم للمقاولين تسمح لهم بالتعبير عن الصعوبات المتعلقة بمناخ الأعمال؛ وإنجاز آلية قياسية لمناخ الأعمال من شأنها إشراك القطاع الخاص في تقييم أداء مناخ الأعمال؛ وإنجاز استقصاء شامل ودوري حول معيقات تطوير القطاع الخاص.

بالإضافة إلى ذلك، ستعكف الحكومة، حسب السيد العثماني، على إحداث آلية عمل مشتركة بين القطاعين العام والخاص من أجل النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل، حيث ستتكون هذه الآلية من أربع مجموعات عمل موضوعاتية، تهم أساسا ميادين التشغيل والرأسمال البشري؛ وتنافسية المقاولة؛ والعلاقة بين المقاولات والإدارة؛ والجبايات والصفقات العمومية.

وعلى مستوى المبادلات التجارية الخارجية لعام 2018، تحسنت الصادرات، وفق بيانات مكتب الصرف، ب11 في المائة إلى حوالي 201,5 مليار درهم خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة، و ذلك بفضل ارتفاع صادرات جميع القطاعات، لا سيما مبيعات قطاع السيارات (زائد 6,2 في المائة)، والفوسفاط ومشتقاته (زائد 5,4 في المائة) وقطاع الفلاحة والصناعات الغذائية (زائد 2,4 في المائة).

وتساهم هذه القطاعات الثلاث بسقف 71 في المائة في الارتفاع الإجمالي للصادرات، يضيف المصدر ذاته، الذي أوضح أن قطاعي الطيران، والنسيج والجلد سجلا على التوالي ارتفاعا ب 1,2 مليار درهم و 1,3 مليار درهم.

أما الورادات، فارتفعت بـ 9,7 في المائة إلى حوالي 353,8 مليار درهم نهاية شهر شتنبر الماضي، وذلك نتيجة زيادة واردات مجمل فئات السلع، خاصة المنتجات الطاقية (زائد 19,4 في المائة )، وشراء سلع التجهيز (زائد 10,3 في المائة )، والمنتجات الجاهزة للاستهلاك (زائد 7,1 في المائة ). وقد استقرت نسبة تغطية الصادرات للواردات عند 57 بالمائة ما بين يناير وشتنبر 2018، مقابل 56,3 في المائة قبل سنة.

اجتماعيا، لم تستطع الحكومة اتخاذ اجراءات قوية يكون وقعها على فئات اجتماعية أوسع أمام الصعوبات التي تعتري بلورة سياسات اجتماعية تمس مختلف الشرائح الاجتماعية. غير أنها انخرطت في لقاءات تحضيرية مع المركزيات النقابية وممثلي أرباب العمل لتفعيل الحوار الاجتماعي باعتباره “آلية ضرورية لتحقيق السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة” وفق ما أكده السيد العثماني.

وفي هذا الصدد، اعتمدت الحكومة توجه التدبير الفئوي، وتبنت إجراءات منها توسيع الاستفادة من المنحة الجامعية لتشمل متدربي التكوين المهني، وتوسيع المنح الجامعية لتشمل 30 ألف مستفيد ومستفيدة برسم الموسم 2017-2018.

وفي إطار تعزيز دعم الأسر الموجودة في حالة هشاشة، وسعت الحكومة قاعدة المستفيدات من نظام دعم الأرامل ليتجاوز 80 ألف أرملة، فيما بلغ عدد الأطفال المستفيدين حوالي 140 ألف يتيمة ويتيم، وصندوق التكافل العائلي ليشمل النساء في وضعية هشاشة والمطلقات الحاضنات لأطفالهن.

وإلى جانب الانطلاق الفعلي للتغطية الصحية للطلبة، اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات بغرض توسيع نظام الحماية الاجتماعية، الذي يشمل كلا من التغطية الصحية والمعاشات، وذلك لفائدة غير الأجراء والمستقلين وأصحاب المهن الحرة وذويهم، في أفق توسيع شريحة الساكنة المستفيدة من الحماية الاجتماعية، وخاصة التغطية الصحية.

وللرفع من مستوى عيش المواطنين، والتزاما من الحكومة بالنهوض بأوضاع الشغيلة وتحسين قدرتها الشرائية، قدمت الحكومة في إطار الحوار الاجتماعي عرضا يشمل زيادات في الدخل من خلال الرفع من الأجور ومن التعويضات العائلية، فضلا عن تطبيق الرفع من الحد الأدنى للمعاشات إلى 1500 درهم لفائدة منخرطي الصندوق المغربي للتقاعد ابتداء من فاتح يناير 2018.

ولتعزيز هذه التدابير الاجتماعية وترشيدها، تعكف الحكومة على القيام بدراسة حول تجويد آليات الاستهداف للسياسات الاجتماعية، من أولى نتائجها المرتقبة اعتماد التعريف الاجتماعي الأوحد والفريد، الذي سيمكن من تحقيق فعالية أفضل لهذه السياسات، وجعلها في خدمة الفئات الهشة، عبر استبدال نظام معقد للتصريح، بنظام آخر يعتمد أساسا على تحديد دقيق لهوية الفئات المستهدفة.

وفي قطاع التعليم، رصدت الحكومة هذه السنة ميزانية قياسية قدرت بحوالي 60 مليار درهم، خصصت من جهة لسد الخصاص في الموارد البشرية ولإعادة تأهيل مجموعة من المؤسسات التعليمية، ومن جهة ثانية للرفع من الاعتمادات المرصودة للمجال الاجتماعي، بنسبة 25 المائة، بهدف تقليص الهدر المدرسي (توفير مطاعم مدرسية والنقل المدرسي والداخليات …).

وتم بالموازاة مع ذلك، تشغيل حوالي 35 ألف أستاذ متعاقد للحد من الاكتظاظ داخل الأقسام، قبل أن تطلق الحكومة عملية تشغيل ثانية همت 20 ألف أستاذ إضافي، وهي إجراءات تندرج ضمن مستلزمات تنزيل الإصلاح الشامل المنصوص عليه في رؤية التربية والتكوين والبحث العلمي .

و على المستوى الصحي، أولت الحكومة اهتماما خاصا لتحسين العرض الصحي وتجويد الخدمات الصحية وتطويرها بدءا بتقليص النقص الحاصل في الموارد البشرية حيث تم تخصيص 4000 منصب مالي للقطاع برسم قانون مالية 2018، منها 1000 طبيب، كما تم فتح تسع مستشفيات جديدة في عدد من المناطق واقتناء 120 وحدة طبية متنقلة و74 سيارة إسعاف للاستجابة للاحتياجات الصحية المستعجلة.

كما واصلت سياستها الرامية إلى تخفيض أسعار الدواء تفعيلا للسياسة الدوائية التي تهدف إلى تسهيل ولوج المواطنات والمواطنين للأدوية والمواد الصحية.

وعلى مستوى النهوض بالتشغيل، اعتمدت الحكومة التوجهات الأساسية لسياستها في هذا المجال وآليات تنزيلها والمتمثلة في دعم خلق مناصب الشغل، وملاءمة التعليم والتكوين مع متطلبات سوق الشغل، وتكثيف البرامج النشطة للتشغيل، وتحسين دينامية سوق الشغل وظروف العمل، ودعم البعد الجهوي في التشغيل.

وترى الحكومة أن المصدر الأول والرئيس لخلق مناصب الشغل يبقى هو تحريك عجلة الاقتصاد ودعم الاستثمار المنتج الذي يعد خزانا أساسيا لفرص الشغل، مسجلة أن برامج إنعاش الشغل التي تنفذها، لن تكون فعالة في تقديم حل شامل لإشكالية الشغل إلا بمساهمة وازنة للقطاع الخاص.

وأعدت في هذا الصدد المخطط الوطني للنهوض بالتشغيل، الذي تضمن تدابير عملية وتحفيزية تهم تقليص المسافة بين الباحثين عن الشغل وفرص الإدماج المهني، وتحفيز المقاولات على الإدماج ودعمها في مسلسل التشغيل، ومواكبة ودعم كل حامل لمشروع مقاولاتي.

كما ركز المخطط على وضع منظومة للتشغيل على المستوى الجهوي، وتعزيز تقريب الخدمات من المستفيدين وإطلاق برنامج لتأطير الباحثين عن شغل في إطار “ميثاق الأجيال”، فضلا عن وضع منظومة لرصد سوق الشغل، وتعزيز وتجويد عمل جهاز تفتيش الشغل، وكذا السعي إلى تكثيف البرامج النشيطة للتشغيل المأجور عبر عقد التكوين من أجل الادماج، وبرنامج “تحفيز”، إضافة إلى إغناء برنامج تأهيل عبر إطلاق تكوينات للحصول على جواز لغوي – رقمي- سلوكاتي/ قدراتي- تجاري.

وإن تم الاقتصار على بسط عينة من أهم الإنجازات الحكومية ذات الأثر على المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، فإن لغة الأرقام وحدها ليست كافية لتقديم حلول للعديد من المشاكل والقضايا التي تلامس الحاجيات الآنية والعادية للمواطن والتي تضمن له الحد الأدنى من العيش الكريم. فالحديث عن حصيلة الحكومة السنوية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي بعد نحو سنة وثمانية أشهر فقط من تشكيلها يمثل تقييما مرحليا لمجهود حكومي سعى للوفاء بالتزامات معلنة ، وترجمتها إلى إجراءات عملية وملموسة.

ح/م

التعليقات مغلقة.