المغرب والصين سنة 2018: دينامية نوعية لتعزيز التعاون والشراكة الثنائية بما ينسجم مع التوجه الإفريقي المشترك – حدث كم

المغرب والصين سنة 2018: دينامية نوعية لتعزيز التعاون والشراكة الثنائية بما ينسجم مع التوجه الإفريقي المشترك

حسين تنضوفت: شهدت العلاقات بين المغرب والصين خلال سنة 2018 دينامية نوعية من خلال عقد لقاءات وتنظيم تظاهرات تمحورت حول تعزيز محتلف أوجه التعاون والشراكة بين البلدين، وإبرام اتفاقيات تهم عددا من القطاعات، فضلا عن بحث الإمكانات والآفاق الواعدة التي يتيحها هذا التعاون بالنسبة للقارة الافريقية.

ومن المؤكد أن العلاقات المغربية- الصينية ما فتئت تتعزز منذ الزيارة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس إلى الصين في عام 2016 والتي أعطت دفعة قوية لهذه العلاقات لترقى إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين. وتم خلالها التوقيع على 15 اتفاقية في مجالات مختلفة وبعضها في قطاعات مبتكرة وذات قيمة مضافة عالية، مما جعل الاستثمارت تعرف، منذ ذلك الحين، ارتفاعا بنسبة 60 في المائة والمبادلات التجارية بنسبة 30 في المائة.

وتميزت سنة 2018 ،التي تتزامن مع الذكرى ال60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والصين، بعقد سلسلة من اللقاءات بين الجانبين المغربي والصيني لإضفاء دينامية جديدة على العلاقات الثنائية ومتابعة سبل تنفيذ الشراكة الاستراتيجية.

وبمناسبة هذه الذكرى،حرص قائدا البلدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس الصيني شي جين بينغ على تبادل رسائل التهنئة، أعربا فيها ، بالخصوص، عن ارتياحهما العميق لمستوى العلاقات الثنائية المتميزة ،ولما يحدوهما من طموح كبير من أجل تطويرها والدفع بها قدما نحو آفاق أرحب، وإعطاء مضمون ملموس وواقعي لعلاقات التعاون على الصعيدين الثنائي والقاري،

ولعل أبرز اللقاءات التي جمعت بين مسوؤلي البلدين كتجسيد لدينامية العلاقات بين البلدين،في سنة 2018، الاجتماع بين وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، ومستشار الدولة، وزير الشؤون الخارجية الصيني وانغ يي، في شهر يوليوز ببكين على هامش أشغال الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون العربي -الصيني ،والذي تم خلاله استعراض مختلف المشاريع والمبادرات التي من شأنها تعزيز الشراكة بين البلدين.

وخلال هذا اللقاء ، أشاد الجانبان بالدينامية التي عرفتها العلاقات الثنائية، منذ الزيارة الملكية لبكين والتي أعطت دفعة للعلاقات التجارية بين البلدين، وساهمت في الرفع من حجم الاستثمارات الصينية والمبادلات التجارية وعدد السياح الصينيين الذين زاروا المملكة.

وفي شهر شتنبر الماضي خلال المشاركة في أشغال المؤتمر السادس لرجال الأعمال الصينيين والأفارقة ببكين، الذي نظم في إطار قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي ببكين، عقد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الذي ترأس وفدا هاما ضم على الخصوص الوزير المنتدب المكلف بالتعاون الإفريقي، محسن الجزولي، وكاتب الدولة المكلف بالاستثمار عثمان الفردوس، ووفد من رجال الأعمال المغاربة يمثل مختلف القطاعات، سلسلة من اللقاءات مع عدد من المسؤولين ورجال الأعمال الصينيين ،تمحورت كذلك حول سبل إعطاء دفعة للعلاقات الثنائية في عدة المجالات وخاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي.

وأثناء استقباله لمسؤولي عدد من الشركات الصينية الكبرى، أكد رئيس الحكومة التزام المغرب بتوفير المناخ المناسب للمستثمرين سواء المغاربة أو الصينيين أو من بلدان أخرى، مرحبا بالمقاولات الصينية الكبرى التي اختارت المغرب وجهة لإقامة استثماراتها.

وبالفعل فقد اختارت العديد من الشركات الصينية إحداث فروع لها بالمملكة مثل شركة “هواوي” التكنولوجية، وشركة “زي تي أو كوربورايشن”، والمجموعة الصينية “أوفرسيا إنجريننغ”، و “سينويدرو”، والشركة الصينية للماء والكهرباء، و”شنغهاي دير ديب فيشري”وشركة “ديناستال” وغيرها من الشركات الأخرى.

كما أن المشاريع الكبرى الجارية بالمغرب التي تشارك فيها الشركات الصينية تظهر أنه تم قطع مرحلة جديدة من الشراكة بين البلدين من قبيل مشروع مدينة محمد السادس “طنجة تيك”، وخط القطار السريع الذي يربط مراكش بأكادير ، ومشاريع البنيات التحتية والطاقات المتجددة وغيرها من المبادرات.

ومكنت هذه اللقاءات المتتالية بين رئيس الحكومة ومسيري كل شركة صينية على حدة من عرض برامجهم الاستثمارية بالمغرب، والتباحث بخصوص فرص وإمكانات تطويرها، لتحقيق مزيد من نقل الخبرات وإحداث فرص الشغل ، وأعربوا عن استعدادهم لتطوير مشاريعهم ومواكبة الأوراش الكبرى التي يعرفها المغرب، وتنويع شراكاتهم مع الفاعلين الاقتصاديين المغاربة، بما يعود بالربح على الجانبين، وبما ينسجم مع التوجه الإفريقي المشترك.

وفي إطار هذا التوجه الافريقي، لم يفت رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، صلاح الدين مزوار، خلال الدورة السادسة لمؤتمر رجال الاعمال الصينيين والأفارقة ،الإشادة برؤية الصين لإفريقيا والتزامها بالشراكات جنوب جنوب، داعيا إياها إلى “كسب قلوب الأفارقة” عبر الاستثمار في التنمية البشرية والأنشطة المدرة للدخل لفائدة شعوب القارة.

وبالمناسبة، قام مزوار بتقديم تجربة المغرب في إفريقيا، والتي تجسدها، على الخصوص، مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاتفاقيات التي أبرمت خلال زيارات جلالة الملك محمد السادس للعديد من البلدان الأفريقية. مشيرا إلى “المصير المشترك الذي يربط المغرب بالصين من أجل تنمية القارة الأفريقية”.

وفي إطار هذا الاهتمام بالقارة الإفريقية ،تتقاسم الصين والمغرب ،مند إقامة علاقاتهما الدبلوماسية على الخصوص،قناعة مشتركة في توجههما نحو هذه القارة، وفق سفير المغرب لدى الصين ،عزيز مكوار، في مداخلة له في شهر نونبر خلال ندوة نظمها معهد الدراسات لغرب آسيا وإفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، بمناسبة الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسة بين البلدين، مذكرا بأن كلا البلدين وضعا القارة الإفريقية في صميم استراتيجياتهما للتنمية الاقتصادية وكلاهما استثمر بقوة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي بالقارة.

واعتبر أن البلدين يسيران نحو بناء علاقة تعاون ثلاثية تهدف إلى إعطاء مزيد من العمق للشراكة ومواكبة التنمية الافريقية، مشيرا الى أنه في عام 2016، استضافت مدينة مراكش قمة الأعمال الصينية – الإفريقية الأولى، حيث ناقش أزيد من 500 مشارك كيفية تقوية هذه الشراكة ومواجهة التحديات.

وأضاف أنه لأول مرة، انخرط رجال الأعمال من الصين والمغرب وبلدان إفريقيا في حوار مفتوح ساعد على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة حول التوجهات الاقتصادية للصين في المنطقة، لافتا إلى أن الخبراء الذين شاركوا في هذا الحدث أجمعوا على أن المغرب والصين سيخلقان قيمة مضافة أكبر من خلال العمل معا بدلا من متابعة مساراتهما الفردية، وخاصة في الجزء الشمالي الغربي الأكبر من إفريقيا.

ويعتبر العديد من المحللين ان الاستراتيجية الاقتصادية للمغرب والصين في القارة الافريقية تكمل بعضها البعض، وان هناك المزيد من المجالات التي من مصلحة البلدين التعاون فيها بدلا من التنافس، مشيرين إلى أن المغرب يوفر للصين أرضية مثلى في مجال الاستثمارات الصناعية للوصول إلى 400 مليون مستهلك في غرب إفريقيا.

إن العلاقات المتميزة بين البلدين، وموقع المغرب الجيو استراتيجي ومكانته على الساحة الإفريقية، تعد عوامل محفزة للصين والمملكة لتعزيز الانخراط لفائدة تنمية وتطوير إفريقيا ، وبالتالي المساهمة بشكل مباشر في تطوير التعاون جنوب- جنوب.

وفي سياق استكشاف فرص جديدة للاستثمار ، مثلت الدورة الأولى لمعرض الصين الدولي للإستيراد بشانغهاي في بداية شهر نونبر مناسبة جديدة للبحث، عن المزيد من فرص التنمية المشتركة بين الصين والمغرب.

وشكل هذا المعرض الدولي للاسيتراد منصة هامة للمغرب لمد جسور التعاون في مختلف المجالات الإقتصادية مع مجتمع الأعمال في الصين والعالم، وفرصة جديدة للبحث عن المزيد من فرص التنمية المشتركة.

ووقع المغرب على حضور متميز في هذا المعرض، الذي شارك فيه بوفد هام من فاعلين اقتصاديين يمثلون اتحادات قطاعية ومهنية، عملوا ، في جناح أقيم على مساحة 162 متر مربع، على استكشاف الشراكات وفرص زيادة الصادرات والاستثمارات وتعزيز الخبرة المغربية خلال لقاءاتهم بنظرائهم الصينيين ومن بلدان أخرى.

كما شكل المعرض مناسبة للوفد المغربي لإجراء اتصالات مع عدد من المؤسسات والشركات وأرباب العمل واتحادات وجمعيات مهنية وغرف تجارية، فضلا عن فعاليات إقتصادية لتطوير قاعدة بيانات للمستوردين والمستثمرين المحتملين، وتنويع الشركاء الاقتصاديين للمغرب.

وفي الشق الثقافي، تميزت سنة 2018 بمشاركة المغرب كأول بلد افريقي ضيف شرف الدورة الخامسة والعشرين لمعرض بكين الدولي للكتاب في شهر غشت ،والتي عرفت حضور وزير الثقافة والاتصال، محمد الأعرج، الذي عقد سلسلة من اللقاءات مع ناشرين ومسؤولين صينيين تمحورت حول سبل إعطاء دفعة للتبادلات الثقافية بين المغرب والصين،وهما حضارتان رئيسيتين تتقاسمان الكثير من الخصائص المشتركة، وأثرتا في العالم من خلال ثرائهما الثقافي.

وخلال هذا المعرض، أبرمت عدد من دور النشر المغربية، ومن بينها “دار التوحيدي” و”دار النشر سيلكي أخوين” و “دار الأمان ” ودار “منشورات ملتقى الطرق”، اتفاقيات مع دور نشر وشركات صينية همت بالخصوص ترجمة ونشر مختارات من الكتب من العربية الى الصينية ومن الصينية الى العربية والفرنسية، ومسألة تسويقها، بالاضافة الى نشر كتب حول العلاقات المغربية الصينية والرحالة ابن بطوطة باللغتين الصينية والعربية.

وعلى المستوى السياحي، تزايد إقبال المواطنين الصينيين سنة 2018 على وجهة المغرب خاصة على إثر قرار جلالة الملك محمد السادس إلغاء التأشيرة لفائدة المواطنين الصينيين، مما كان له أثر إيجابي على النشاط السياحي بالمغرب.

فبعدما استقبلت المملكة 120 ألف سائح صيني في عام 2017، بلغ عددهم خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2018 أكثر من 100 ألف سائح، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم مع نهاية العام الجاري إلى حوالي 200 ألف سائح، بحسب المكتب الوطني المغربي للسياحة.

ونظرا لهذا الإقبال، جرت مشاورات بين الفاعلين السياحيين المغاربة وهيئة الطيران المدني الصيني لتسريع الإجراءات بهدف فتح خط جوي مباشر بين البلدين مما سيسهم بشكل كبير في تدفق السياح الصينيين، وذلك على هامش مشاركة المغرب في المؤتمر السابع للفيدرالية الدولية للمدن السياحية بمدينة تشينغداو بشرق الصين في شهر شتنبر الماضي .

وفي السياق ذاته، أجرى وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصادي الاجتماعي، محمد ساجد، مباحثات مع وزير الثقافة والسياحة الصيني ،لو شو قانغ، في شهر شتنبر ،في دون هوانغ (شمال غربي الصين)، تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية في مجال الاستثمارات السياحية والنقل الجوي والتكوين لفائدة مهني السياحة.

وبحث الجانبان موضوع الربط الجوي بين البلدين وخاصة إمكانية فتح خط جوي مباشر ،وعبر الجانب الصيني عن دعمه لهذه المبادرة التي تأتي تجاوبا مع الإقبال المتزايد للسياح الصينيين على وجهة المغرب.

وتم أيضا خلال اللقاء دراسة إقامة تظاهرة سنة المغرب الثقافية والسياحية بالصين وتظاهرة صينية مماثلة في المغرب ،وتم تشكيل خلية مشتركة لأجرأة هذا المشروع ،بالاضافة الى برامج التكوين والتدريب لفائدة مهنيي السياحة بالمغرب.

ورغم كل ذلك، فإن العلاقات الاقتصادية بين المغرب والصين ولا سيما ما يهم الاستثمارات والمبادلات التجارية لا تزال أقل من الإمكانات التي يوفرها البلدان وتبقى دون طموحاتهما، ومن ثمة يتعين على الجانبين تكثيف اللقاءات بين رجال الأعمال المغاربة والصينيين بهدف استكشاف فرص استثمارية جديدة وواعدة لتعزيز التعاون أكثر فأكثر لما فيه مصلحة شعبي البلدين.

ح/م

التعليقات مغلقة.