يحتفل المغرب في 25 ماي من كل عام باليوم الوطني للطفل، الذي أطلقه جلالة المغفور له الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، في خطابه للمؤتمر الوطني الأول حول حقوق الطفل سنة 1994، حيث اعتبر رحمه الله أن “حضارة الأمم والشعوب تقاس بمبلغ عنايتها واهتمامها بأطفالها”.
ومنذ ذلك الحين، أي منذ زهاء ربع قرن من الزمن، أصبح اليوم الوطني للطفل مناسبة سنوية راسخة لتجديد التزام المملكة وتشبثها بالنهوض بوضعية الطفل، وتعزيز مكانته وحقوقه داخل المجتمع. كما تمثل هذه الذكرى الوطني مناسبة للوقوف على حصيلة سنة كاملة من العمل المتواصل والدؤوب، حتى يتأتى تثمين المكتسبات والمجهودات المبذولة في مجال النهوض بحقوق الطفل في البلاد، وتحديد مكامن الضعف والنواقص، التي ينبغي العمل عليها مستقبلا.
ويأتي الاحتفال هذه السنة، في ظل دينامية غير مسبوقة، طبعت العشر سنوات الأخيرة، فيما يتعلق بمجال الطفولة بالمملكة، حيث تم إطلاق عدة أوراش كبرى تهم تعزيز حقوق الطفل وحمايته، وتعزيز مكانته في المجتمع على جميع المستويات.
ومن أبرز الأوراش المتعلقة بهذا الصرح الوطني، وضع السياسة المندمجة لحماية الطفولة (2015-2025)، التي اعتمدتها اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع تنفيذ السياسات والمخططات الوطنية في مجال النهوض بأوضاع الطفولة وحمايتها، في يونيو 2015.
وحسب تقرير لوزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، فإن هذا المشروع يأتي استجابة ل”توصيات التقييم النصف مرحلي لخطة العمل الوطنية للطفولة (مغرب جدير بأطفاله) للعشرية 2006 – 2015، الذي وقف على ضعف المحور المتعلق بالحق في الحماية في خطة العمل الوطنية وأوصى بضرورة اعتباره من أولويات المرحلة الثانية”.
ويضيف التقرير أن هذه السياسة العمومية تسعى إلى “وضع محيط حمائي للأطفال ضد جميع أشكال الإهمال، والاعتداء، والعنف والاستغلال”، كما تمكن المغرب من التوفر على منظومات حمائية مندمجة للأطفال ومطابقة للمبادئ المتضمنة في مختلف النصوص القانونية الدولية المصادق عليها، من خلال خمسة أهداف استراتيجية قابلة للتحقيق في أفق عشر سنوات.
وتتمثل هذه الأهداف الخمسة في تقوية الإطار القانوني لحماية الأطفال وتعزيز فعاليته، وإحداث أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة، ووضع معايير للمؤسسات والممارسات، والنهوض بالمعايير الاجتماعية الحمائية للأطفال، فيما يعنى الهدف الخامس بوضع منظومات للمعلومات والتتبع والتقييم والمراقبة.
كما يتطرق التقرير إلى الفئات المستهدفة من خلال هذه السياسة، والتي تضم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر سنة الذين هم في حاجة إلى الحماية (الأطفال ضحايا الاعتداء، والإهمال، والعنف والاستغلال)، الأطفال في وضعية هشة (الأطفال المحرومون من الوسط العائلي، الأطفال في أسر فقيرة، الأطفال في وضعية الشارع، الأطفال في وضعية إعاقة، الأطفال المهاجرين …)، بالإضافة إلى الأطفال الشهود.
وتماشيا مع هذه الرؤية الرامية إلى تعزيز حماية الأطفال في وضعية هشاشة، تم إطلاق حملة “الرباط .. مدينة دون أطفال في وضعية الشارع”، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، بمناسبة الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية “أفريسيتي” بمراكش في شهر نونبر 2018، والتي أعطيت انطلاقة العمل الميداني لتفعيلها مطلع السنة الجارية، في انتظار أن تشمل الحملة باقي مدن المملكة بشكل تدريجي.
كما تم إطلاق برنامج في إطار المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يعنى بتنمية الطفولة الصغرى وصحة الأم والطفل والتعليم ومواكبة الطفولة المبكرة والأطفال والشباب المنحدرين من أوساط فقيرة، خصص له غلاف مالي قدره 6 مليار درهم.
وعلى المستوى القانوني، فقد حقق المغرب إنجازات تشريعية مهمة حيث صادق على مجموعة من الاتفاقيات الدولية والثنائية التي من شأنها تكريس حقوق الطفل والنهوض بأوضاع الطفولة المغربية.
كما عمل المغرب على إصدار قوانين ومراسيم تعنى بشكل خاص بمصلحة الطفل وتتطابق مع الاتفاقات الدولية وتهدف إلى تحسين أوضاع الأطفال في مختلف المجالات. ويبقى أبرز هذه التشريعات دستور 2011، الذي شكل دون أدنى شك منعطفا تاريخيا فاصلا ونتاجا لسنوات من العمل المتواصل، المتمثل في مجموعة من الأوراش الإصلاحية والمبادرات التحديثية التي شملت عدة مجالات على رأسها مجال حماية حقوق الطفل.
ويحق للمغرب اليوم أن يفتخر بالإنجازات الكبيرة التي حققها في مجال النهوض بوضعية الطفل بالمملكة، لكن لابد من بذل مزيد من الجهد من أجل صيانة هذه المكتسبات والعمل على تصحيح مكامن النقص.
إعداد : ربيعة صلحان
التعليقات مغلقة.