خارطة سياسية جديدة تتشكل في أوروبا بعد الانتخابات الأوروبية | حدث كم

خارطة سياسية جديدة تتشكل في أوروبا بعد الانتخابات الأوروبية

08/06/2019

عادل الزعري: بنسبة مشاركة، الأعلى منذ 20 سنة، والتي تقدر بأزيد من 50 في المائة في البلدان ال 28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أخلت الانتخابات الأوروبية في ماي الماضي بالتوازنات السياسية في القارة العجوز ، مشكلة اختبارا للأحزاب التقليدية التي سجلت تراجعا حادا.

في اليمين كما في اليسار ، لقيت الأحزاب التي اعتادت على حصد نتائج مهمة صعوبة في تحقيق نفس الاداء في مواجهة قوى جديدة عززت مواقعها في سياق مطبوع بالتشكيك في أوروبا والإحباط الاجتماعي في العديد من البلدان الاعضاء.

في فرنسا ، شكلت الانتخابات الأوروبية محكا حقيقيا لحزب “الجمهورية الى الامام” في مواجهة تجمع وطني زاحف ، في حين أن الجمهوريين والاشتراكيين تحصنوا في مواقع أقل تقدما، وسجلوا نتائج ضعيفة.

ففي ألمانيا،مني الحزبان السياسيان اللذان حكما البلاد منذ عام 2013 ، وهما التحالف المسيحي (الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي) والحزب الاشتراكي الديمقراطي ، بخسارة تاريخية ، أمام الخضر الذين سجلوا اختراقا بحصولهم على نسبة 20.5 في المائة ، أي أعلى بعشر نقاط عن انتخابات عام 2014.

وفي اليونان ، مالت كفة البلاد نحو اليمين مع حزب “الديمقراطية الجديدة” الذي تصدر الانتخابات المحلية التي أجريت في 2 يونيو ، بعد فوزه في الانتخابات الاوروبية بنسبة 33.1 في المائة من الأصوات ، مقابل 23.8 في المائة لحزب سيريزا ،حزب اليسار المتطرف لرئيس الوزراء الكسيس تسيبراس.

من خلال الاستحواذ على 11 من أصل 13 جهة وبعض المجالس البلدية الشهيرة مثل أثينا ، فانه من المنتظر أن يعزز اليمين تموقعه متقدما بشكل كبير على سيريزا في الانتخابات التشريعية المبكرة في 7 يوليوز المقبل.

وفي إسبانيا، واصل الاشتراكييون إحكام قبضتهم حيث حصلوا على 32.8 في المائة من الأصوات في انتخابات البرلمان الاوروبي ، بعد شهر واحد من فوزهم في الانتخابات التشريعية بنسبة 28.7 في المائة من الأصوات.

وفاز حزب العمال الاشتراكيين بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أيضا بالانتخابات الإقليمية والبلدية على حساب اليمين وحزب “بوديموس” اليسار الراديكالي الذي مني بنكسة كبيرة.

وفي المملكة المتحدة، تبرأ البريطانيون إلى حد كبير من الحزبين التقليديين حزب المحافظين وحزب العمال ، حيث تمت معاقبتهما لفشلهما في إدارة البريكست ، على حساب “حزب البريكست” الذي فاز بـ 29 مقعدا.

وسجل الديمقراطيون الليبراليون والخضر نتائج أعلى بكثير من انتخابات 2014 ، في حين أن الحزب المناوئ للبريكست ” التغيير البريطاني” لم يحصل على اي صوت في البرلمان الأوروبي.

وفي إيطاليا ، تسببت الانتخابات الأوروبية في إلحاق أضرار جانبية بالائتلاف الحاكم بسبب النتيجة التي حققتها حركة خمس نجوم أمام حزب الرابطة الذي تصدر النتائج.

لقد غيرت انتخابات 26 ماي تماما موازين القوى اذ أن الحزب اليميني المتطرف الذي حصل على 17 في المائة من الاصوات في انتخابات 2018 ، انتقل إلى أكثر من 34 في المائة في الانتخابات الأوروبية ، بينما تراجعت حركة خمس نجوم التي فازت بنسبة 32.5 في المائة من الأصوات في الانتخابات التشريعية في مارس 2018 ، الى 17 في المائة على المستوى الأوروبي.

لم يعد الحزبان يتفقان على الوعود التي قطعاها للناخبين حيث أنه في الوقت التي تريد الرابطة خفض الضرائب، تعد حركة خمس نجوم بدخل المواطنة ، وهما إجراءان متناقضان.

بعد هذه الاستحقاقات، التي هيمن عليها إلى حد كبير شبح التشكيك في أوروبا في العديد من البلدان، حان دور البرلمان الأوروبي لاتخاذ إجراءات لتشكيل الأغلبية وتشكيل التكتلات والهياكل السياسية لاتخاذ زمام الامور لمدة خمس سنوات القادمة.

وتتمثل مهمته الأولى في تحديد معالم انتخاب رئيس المفوضية الأوروبية وتمكينه من خارطة طريق يمكن أن تحظى بدعم أغلبية كبيرة ومستقرة في البرلمان الأوروبي.

واتفق رؤساء أكبر أربع تكتلات في البرلمان الأوروبي (حزب الشعب الاوروبي و التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين وتحالف الليبراليين والديمقراطيين، والخضر/التحالف الأوروبي الحر، على رسم “طموح مشترك” للرئيس المقبل للمفوضية الأوروبية.

مانفريد فيبر ، عن الديمقراطيين المسيحيين لحزب الشعب الاوروبي و أودو بولمان عن التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين ، وغاي فيرهوفشتات ، عن تحالف الليبراليين والديمقراطيين، وسكا كيلر وفيليب لامبرت، عن الخضر/التحالف الأوروبي الحر، أعلنوا عن اتفاقهم بعد اجتماعهم الأربعاء الماضي، الثاني من نوعه منذ الانتخابات الأوروبية. ومن المتوقع أن يجتمعوا مرة أخرى في 12 يونيو الجاري، حيث من المقرر البدء في العمل بعمق قبل وضع اللمسات الاخيرة في أفق القمة القادمة لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي المقررة يومي 20 و 21 يونيو.

من خلال المقاربة المعتمدة، فان التكتلات الأربع الرئيسية (512 مقعدا من أصل 751) ، وكلها مؤيدة لأوروبا ، تستبعد التيارات المتشككة في أوروبا.

وقال رؤساء هذه التكتلات ، في بيان ، “هدفنا المشترك هو الانخراط بشكل بناء مع بعضنا البعض ، مع مراعاة مطالب التغيير” التي عبر عنها المواطنون الأوروبيون، مشيرين الى أن زيادة المشاركة في الانتخابات الأوروبية شكلت تحفيزا بالنسبة اليهم.

ومن المنتظر أن يقترح قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي خلال قمتهم مرشحهم لخلافة رئيس المفوضية جان كلود يونكر ، ولكن في حالة وجود صعوبات في الاتفاق على اسم ، يمكن برمجة قمة استثنائية في نهاية يونيو ، قبل تنصيب البرلمان الأوروبي الجديد المقرر في 2 يوليوز.

وفي هذه الأثناء، تستمر التكهنات حول انتخاب رئيس الجهاز التنفيذي التالي للاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الذي يدعم فيه حزب الشعب الأوروبي ترشيح الألماني مانفريد ويبر ، فإن الديمقراطيين الاجتماعيين يؤكدون مجدد ا دعمهم للهولندي تيمرمانس ، نائب رئيس المفوضية المنتهية ولايته ، بينما يدعم الليبراليون مارغريث فيستاغر ، المفوضة الأوروبية المنتهية ولايتها في الدنمارك.

منذ عام 2014 ، يقوم نظام “أبرز المرشحين” على أن رئيس المفوضية الأوروبية هو زعيم الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات الأوروبية. ومع ذلك ، فإن تعيين رئيس المفوضية الأوروبية المستقبلي يمر عبر الحصول على دعم قادة الاتحاد الأوروبي والأغلبية المطلقة في البرلمان الأوروبي ، أو 376 صوتا.

ومن بين الاستحقاقات الاخرى داخل الاتحاد الاوروبي، انتخاب رئيس جديد على رأس البرلمان الاوروبي، وآخر للمجلس الأوروبي الى جانب تعيين مفوضين جدد. كما سيتم تجديد رئاسة البنك المركزي الأوروبي ومجلس الحسابات، ناهيك عن المنصب المرموق لرئيس الدبلوماسية الأوروبية.

إن التسابق على المناصب الرئيسية في المؤسسات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي أشبه بلعبة توازن ينبغي على الزعماء الأوروبيين الاستعداد لها.

ومن بين مستجدات الولاية الحالية، تعيين أول رئيس لمكتب المدعي العام الأوروبي المقبل.

وستشرع هذه الهيئة الجديدة في عملها مع نهاية عام 2020 لإجراء تحقيقات والمقاضاة في القضايا الجنائية التي تهم ميزانية الاتحاد الأوروبي ، مثل الغش أو الفساد أو غسل الأموال.

و.م.ع

التعليقات مغلقة.