إسبانيا : مخاض تشكيل الحكومة المقبلة يدخل مراحله الحاسمة – حدث كم

إسبانيا : مخاض تشكيل الحكومة المقبلة يدخل مراحله الحاسمة

حفيظ البقالي:يبدو أن معركة تشكيل الحكومة الإسبانية المقبلة بعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي جرت في إسبانيا يوم 28 أبريل الماضي قد دخلت مرحلة يمكن وصفها بالصعبة بالنظر للحسابات السياسية والتجادبات التي طفت على السطح في الأيام الأخيرة بين الأحزاب الأكثر تمثيلية في مجلس النواب ( الغرفة السفلى للبرلمان ) والتي يرغب كل واحد منها في الاستفادة مما تتيحه تموقعاته وقوته ومدى تأثيره في المشهد السياسي .

فالحزب العمالي الاشتراكي الذي تمكن من الفوز في هذه الانتخابات وبالتالي تصدر المشهد السياسي بحصوله على 7 ر 28 في المائة من أصوات الناخبين ( 123 مقعدا في مجلس النواب ) أعلن منذ ظهور النتائج الأولية عن رغبته في الحكم بمفرده بدون أية تحالفات مع أحزاب أخرى خاصة بعد الموقف الصارم الذي عبر عنه حزب ( سيودادانوس ) الذي يمثل يمين الوسط والذي اعتبر في تصريحات لقيادييه مباشرة بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية أن التحالف مع العمالي الاشتراكي هو ” خط أحمر ” .

ومباشرة بعد استقباله من طرف العاهل الإسباني الملك فليبي السادس وتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة بادر بيدرو سانشيز الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي إلى التعبير عن رغبته في الانفراد بالحكم مع تطعيم الحكومة التي سيشكلها بأعضاء وأسماء مستقلة رغم عدم حصول الحزب على الأغلبية المطلقة في مجلس النواب ( 176 مقعدا ) وهو ما شكل صدمة في أوساط التيارات السياسية التي تتقاسم معه نفس التوجه اليساري خاصة حزب ( بوديموس ) الذي يمثل أقصى اليسار وبعض الأحزاب السياسية الصغيرة الأخرى .

وقد زكت تصريحات العديد من قياديي الحزب العمالي الاشتراكي هذا التوجه وأطلقت تصريحات كانت تدفع في اتجاه ترسيخ هذا الاختيار في ذهنية المواطن الإسباني أولا ثم باقي الفاعلين السياسيين ثانيا والمتمثل في أن الاشتراكيين لا حاجة لهم إلى تحالفات أو ائتلافات من أجل تشكيل الحكومة المقبلة برئاسة أمينهم العام بيدرو سانشيز والتي يرغبون في أن تكون اشتراكية مائة بالمائة مع تطعيمها بمستقلين .

ولتحقيق هذا الهدف اعتمد الحزب الاشتراكي في مفاوضاته مع مختلف الفرقاء السياسيين خاصة ( الحزب الشعبي وحزب سيودادانوس ثم حزب بوديموس ) استراتيجية ارتكزت على التعبير عن توجهاته العامة في تشكيل الحكومة المقبلة وانتظار ردة فعل باقي الفرقاء مع إعطاء إشارات في هذا الاتجاه أو ذاك اعتمادا عما يرشح من مواقف عن قادة الأحزاب السياسية الأخرى قبل أن تتطور الأمور في اليومين الأخيرين بعد تعثر المفاوضات بين مختلف الأحزاب إلى التلويح بإعادة الانتخابات التشريعية في حالة عدم التوافق حول تنصيب بيدرو سانشيز رئيسا للحكومة المقبلة .

لكن رغبة الحزب الاشتراكي في الانفراد بتشكيل الحكومة والسيطرة بالتالي على مفاصل الجهاز التنفيذي وإن كانت ممكنة فإنها تظل مشروطة بآلية دستورية واضحة تفرض على الأحزاب الرئيسية الممثلة في مجلس النواب أن تدعم إما إيجابيا الحزب الفائز في الانتخابات عبر التصويت لصالحه في جلسة تنصيب رئيس الحكومة التي سيعقدها مجلس النواب أو سلبا من خلال الامتناع عن التصويت وبالتالي تسهيل تشكيل الحكومة .

غير أن تفعيل هذه الآلية اصطدم بعد مفاوضات شاقة وعسيرة آخرها جرى أول أمس الثلاثاء خلال اجتماع بمقر مجلس النواب جمع بين الحزب العمالي الاشتراكي من جهة والحزب الشعبي وحزب ( سيودادانوس ) بالرفض المطلق لقائدي هذين الحزبين الامتناع عن التصويت خلال جلسة تنصيب المرشح لرئاسة الحكومة وأعلنا أنهما ” سيصوتان ضد هذا الترشيح “.

وأكد زعيما كل من الحزب الشعبي الذي حل ثانيا في الانتخابات التشريعية وحصل على 66 مقعدا وحزب ( سيودادانوس ) الذي حصد 57 مقعدا على التوالي بابلو كاسادو وألبرت ريفيرا في ندوة صحفية عقداها في أعقاب المفاوضات التي أجرياها مع بيدرو سانشيز أنهما جددا خلال هذه اللقاءات ” رفضهما تسهيل عملية تنصيبه كرئيس للحكومة المقبلة ” .

وأمام هذا الرفض الذي عبر عنه الحزبان اليمينيان ( الحزب الشعبي وسيودادانوس ) والذي وصفته أدريانا لاسترا الناطقة باسم المجموعة الاشتراكية بمجلس النواب بأنه ” استراتيجية معتمدة من طرف الحزبين من أجل منع تشكيل حكومة يقودها الحزب السياسي الأكثر تصويتا من طرف الناخبين ” لم يبق أمام الاشتراكيين سوى العودة مجددا إلى خيارات أخرى كانوا قد أقصوها في السابق من أجل البحث عن حلول وبالتالي الخروج من هذا النفق .

ويبدو أن الحزب العمالي الاشتراكي قد انتصر بعد هذا المخاض العسير للخيار الذي كان يظهر أكثر واقعية منذ الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية وهي العودة إلى حضن اليسار والاعتماد على حزب ( بوديموس ) الذي فاز في الانتخابات التشريعية الماضية ب 42 مقعدا وكذا باقي الأحزاب السياسية الصغيرة الأخرى من أجل تشكيل الحكومة المقبلة لكن وفق مقاربة مشروطة أطلق عليها قياديو الحزب الاشتراكي ما يسمى ب ” حكومة تعاون ” .

وجاء الإعلان عن هذه الصيغة مباشرة بعد نهاية المفاوضات التي جمعت أول أمس بين بيدرو سانشيز وبابلو إغليسياس زعيم حزب ( بوديموس ) الذي يمثل أقصى اليسار .

وأعرب رئيس الحكومة الإسبانية المنتهية ولايتها في تغريدة على حسابه على ( تويتر ) عن ” ارتياحه ” لنتيجة اللقاء الذي جمعه ببابلو إغليسياس وقال ” سنعمل على تشكيل حكومة تقدمية في أقرب وقت ممكن .. حكومة تعاون تعددية ومنفتحة ومتكاملة ” .

ولاشك أن صيغة ” حكومة تعاون ” التي أعلن عنها الجانبان بعد لقائهما أول أمس الثلاثاء تكشف أن الحزب العمالي الاشتراكي وحزب ( بوديموس ) قد قدما تنازلات لبعضهما البعض على اعتبار مواقفهما السابقة حين كان الأول يطلب دعم ( بوديموس ) بشرط عدم المشاركة في الحكومة المقبلة بينما كان الثاني يصر على ضرورة حصوله على تمثيلية مشرفة في هذه الحكومة إذا كان سيدعمها .

فهل سترى الحكومة الإسبانية المقبلة النور بعد هذا التوافق الذي حصل بين الحزبين اللذين ينتميان معا إلى اليسار رغم أن عدد المقاعد التي يتوفران عليها مجتمعة لا تمنحهما الأغلبية المطلقة ( 176 مقعدا ) وبالتالي سيحتاجان إلى دعم ومساندة باقي الأحزاب السياسية الصغيرة الأخرى أم أن مطبات أخرى ستبرز إلى الوجود خاصة في ظل تعدد القراءات وتشابك المصالح والغايات وتقلب المواقف بين الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي الإسباني .

حدث كم / و م ع

التعليقات مغلقة.