بعد شهرين من الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي جرت في إسبانيا يوم 28 أبريل الماضي تعرف المفاوضات الخاصة بتنصيب المرشح الاشتراكي بيدرو سانشيز رئيسا للحكومة المقبلة لحظة انسداد وتوقف حيث لا يزال الخلاف مستحكما بين الأحزاب السياسية الأربعة الأكثر تمثيلية بمجلس النواب وهو ما يفتح الباب أمام أكثر احتمال يراه البعض واقعا لا محالة في حال استمرار هذا الجمود وهو إعادة الانتخابات التشريعية .
وكان الحزب العمالي الاشتراكي ( يسار ) الفائز في الانتخابات التشريعية قد أعلن منذ ظهور نتائج هذا الاستحقاق عن رغبته في الحكم بمفرده رغم أنه لا يتوفر على الأغلبية المطلقة مشددا على شرعية هذا الاختيار باعتباره حصد 123 مقعدا بمجلس النواب ( الغرفة السفلى للبرلمان الإسباني ) وهو تقريبا ضعف العدد الذي حصل عليه غريمه التقليدي الحزب الشعبي ( يمين ) الذي احتل المركز الثاني ب 66 مقعدا .
ولتحقيق هذا المبتغى والانفراد برئاسة الحكومة الإسبانية المقبلة دعا الاشتراكيون الحزب الشعبي وحزب ( سيودادانوس ) الذي يمثل وسط اليمين وحل ثالثا في هذا الاقتراع إلى الامتناع عن التصويت لتسهيل عملية تنصيب بيدرو سانشيز رئيسا للحكومة بينما طالبوا حزب ( بوديموس ) الذي يمثل أقصى اليسار بدعم هذا التوجه دون أن يقترحوا عليه بالمقابل المشاركة في الحكومة من خلال تمكينه من حقائب وزارية .
بيد أن النداءات المتكررة من طرف الحزب العمالي الاشتراكي للأحزاب السياسية الثلاثة الأكثر تمثيلية بمجلس النواب من أجل تمكين الاشتراكيين من الوصول إلى سدة الحكم لم تلق الآذان الصاغية لدى زعماء هذه الأحزاب حيث أصر الحزب الشعبي وكذا حزب ( سيودادانوس ) على رفضهما المطلق لتحقيق هذه الرغبة بينما تشبث حزب ( بوديموس ) بأن دعمه يبقى رهين بمشاركته وتمثيليته الفعلية في حكومة ائتلافية مع الاشتراكيين من أجل التصويت إيجابا للمرشح بيدرو سانشيز .
وبالفعل فقد كان تباين المواقف والخلاف بين بيدرو سانشيز الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي وبابلو إغليسياس زعيم حزب ( بوديموس ) هو سيد الموقف خلال كل الاجتماعات التي عقدها الرجلان في محاولة لحلحلة الوضع والتوصل إلى مخرج لحالة الانسداد التي تعيشها محاولة تشكيل الحكومة الإسبانية المقبلة .
وخلال الاجتماع الرابع من نوعه بين الزعيمين الذي جرى أول أمس الثلاثاء بقصر ( لامونكلوا ) تمسك الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي بموقفه المتمثل في تشكيل ما يسميه الاشتراكيون ب ” حكومة تعاون ” مع حزب ( بوديموس ) في حين أصر بابلو إغليسياس زعيم الحزب على تشكيل حكومة ائتلافية وهدد في حالة عدم تحقيق رغبة الحزب بأن يكون ممثلا فيها من خلال حقائب وزارية بالتصويت ضد تنصيب سانشيز .
وفي إطار نفس السياق عقد بيدرو سانشيز وزعيم الحزب الشعبي بابلو كاسادو يوم الاثنين الماضي بمقر رئاسة الحكومة ( لامونكلوا ) اجتماعا بمبادرة من الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي غير أن بابلو كاسادو جدد التأكيد خلال هذا اللقاء على أن حزبه لن يمتنع عن التصويت خلال جلسة التنصيب .
أما في ما يتعلق بالعلاقة بين الحزب العمالي الاشتراكي وحزب ( سيودادانوس ) الذي يمثل وسط اليمين فإن التيار لم يعد يمر بين الحزبين حيث أعلن ألبرت ريفيرا زعيم ( سيودادانوس ) مباشرة بعد الانتخابات التشريعية عن رفضه المطلق لأي تحالف محتمل مع الاشتراكيين وهو الموقف الذي لا يزال متشبثا به لأن الشاغل الأوحد لهذا الحزب الليبرالي هو أن يتموقع في المعارضة ويحل بالتالي محل الحزب الشعبي ( يمين ) .
ورغم كل هذا الرفض وانعدام وجود دعم حقيقي لبيدرو سانشيز من أجل تنصيبه رئيسا للحكومة لا يزال هذا الأخير مصرا على الذهاب بعيدا ويؤكد رغبته في عقد جلسة التنصيب بمقر مجلس النواب الإسباني .
وبرأي المتتبعين للشأن السياسي الإسباني فإن هذه المقاربة التي ينهجها الاشتراكيون تهدف بالأساس إلى الضغط على الأحزاب السياسية الثلاثة ( الحزب الشعبي وسيودادانوس وبوديموس ) بالإضافة إلى تحميلهم مسؤولية الفشل المحتمل لعملية تنصيبه رئيسا للحكومة المقبلة والتي قد تكون سببا مباشرا في إعادة الانتخابات التشريعية .
وفي انتظار الخروج من النفق يواصل الحزب العمالي الاشتراكي تقديم الاقتراحات لحزب ( بوديموس ) ومنها اقتراحه الأخير بجعله ” شريكا مرحليا يحظى بالأولوية ” كما يوجه في نفس الوقت نداءاته إلى الحزب الشعبي وحزب ( سيودادانوس ) من أجل تسهيل عملية التنصيب عبر الامتناع عن التصويت وبالتالي إعطاء الانطلاقة للولاية التشريعية الحالية وتمكينهما من القيام بدورهما في المعارضة .
وأمام الرفض المطلق للحزب الشعبي ولحزب ( سيودادانوس ) الامتناع عن التصويت وكذا عدم موافقة حزب ( بوديموس ) على مقترحات الحزب العمالي الاشتراكي من أجل دعم مرشحه لرئاسة الحكومة فإن السيناريو الذي يبقى أكثر ترجيحا الآن هو إعادة الانتخابات التشريعية في إسبانيا .
وسيتم تحديد جلسة تنصيب المرشح الاشتراكي خلال الاجتماع الذي تقرر عقده يوم ثاني يوليوز بين بيدرو سانشيز ورئيسة مجلس النواب مريتكسيل باتيت .
وفي حال فشلت عملية التنصيب سيتم الإعلان عن إجراء انتخابات تشريعية جديدة في إسبانيا في غضون شهرين من تاريخ عقد هذه الجلسة .
و.م.ع
التعليقات مغلقة.