“النفير العام” لدى “حزب العدالة والتنمية!” – حدث كم

“النفير العام” لدى “حزب العدالة والتنمية!”

ياسين قطيب: دخلحزب العدالة والتنمية مرحلة السعار الانتخابي للحفاظ على وضعه الحكومي وحماية ما ألفته قياداته من سلطة وجاه وامتيازات أصبح من العسير التخلي عنها والعيش بدونها. فالحزب يعي جيدا أنه قد سقط القناع على وجوه العديد من قياداته التي لم تستطع مقاومة إغراءات ممارسة السلطة، بل سعت إلى المزج بينها وبين مراكمة الثروة.

‏وما النزوة الأخيرة للوزير السابق ورئيس جهة درعة تافيلالت إلا عنوان مصغر لعقلية الغنيمة التي تطبع تفكير أعضاء حزب العدالة والتنمية. فقط ما يميز بينهم هو اختلاف في تقدير التوقيت المناسب لتنفيذ ما يلوج في خاطر أغلب من يتحمل منهم مسؤولية تدبير الشأن العام.

‏قناعة الحزب بوجود متغيرات في صورة الحزب لدى الرأي العام الوطني، دفعته لينهل من قاموس الحركات الجهادية، ويعلن النفير العام في صفوف فروعه المحلية بمختلف التراب الوطني، رغبة فيما يسميه بـ”حماية نتائج الحزب بالانتخابات التشريعية لــ7 ‏أكتوبر 2016. وكأن حصول الحزب على الرتبة الأولى أصبح مسلمة غيبية لا يجب الخروج عنها وإلا ووقعت الخطيئة الكبرى.

‏الإعلان عن النفير العام استهله الحزب بإصدار مذكرة داخلية تحث كتابه المجاليين على تغطية جميع مكاتب التصويت المركزية والفرعية بمجموع التراب الوطني، وهو أمر تسعى إليه جميع الأحزاب السياسية ولا ضير في ذلك، ما دام يتوفر للحزب الإمكانات المالية والعطاءات السخية المجهولة المصدر للإنفاق على عملية كهاته، والتي لم يسبق لحزب أن حققها كهدف على مر التجارب الانتخابية المغربية.

‏غير أن المثير بشكل أكبر هو السياق واللغة التي تم الاستعانة بها لتحرير المذكرة، والتي توضح بجلاء العقلية الجهادية التي تسيطر على مخيلة القادة المركزيين للحزب، بحكم أنها نابعة من مجاراة هؤلاء القادة لأفكار السيد قطب سواء ‏في كتابه “معالم في الطريق” أو “في ظلال القرآن”، وأطروحات ابن تيمية الذي قسم المسلمين في القرون الوسطى إلى “دار إسلام” و”دار كفر”.

لقد اختارت اللجنة المركزية للانتخابات بحزب العدالة والتنمية إصدار المذكرة تحت رقم 1‏، في استعانة واضحة بالقاموس العسكري تحت مسمى “البيان رقم كذا”، والذي تم الترويج له من طرف بعض الجهات العسكرية من جهة وجزء من بعض التنظيمات الإسلامية من جهة أخرى خلال فترة ما يعرف بالربيع العربي.

‏لجوء حزب العدالة و التنمية لهذا القاموس ليس بمحض الصدفة، بل هي خطوة مدروسة لوضع أعضاء الحزب في أجواء توحي بأن الحزب مقبل على ساحة حرب وليس على عملية انتخابية كآلية ديمقراطية سلمية تخول للمواطن اختيار من يمثله لتدبير الشأن العام بكل حرية ومسؤولية وفي هدوء سياسي يعكس مستوى التقدم الديمقراطي الذي راكمته بلادنا عبر مختلف المحطات الانتخابية.

‏نزوح حزب العدالة والتنمية نحو القاموس العسكري لم يقف عند هذا الحد، بل تجسد في العديد من محاور المذكرة المعلومة عبر توظيف تعابير ومصطلحات (حماية النتائج، وضع خطة إقليمية، وضع خطة متكاملة، توفير الحماية الخارجية اللازمة، فرق متنقلة لليقظة…) لا يسع لمريدي الحزب عند تعبئتهم بها إلا أن ينخرطوا فيما خطط له قادتهم بروح جهادية وعقلية محاربة العدو.

‏ولا عجب في ذلك مادام أعضاء الحزب قد ذهبوا إلى أبعد من هذا الحد عندما دعوا إلى قطع الرؤوس علانية داخل مواقع التواصل الاجتماعي، وساندهم في ذلك وجوه قيادية يفترض فيما الرزانة والحكمة وتغليب العقل لا السعي وراء منطق الكراهية والعنف وإقصاء الآخر.

‏عقلية كهاته سوف لن تجد لها سبيلا للانزواء إلى الخلف ما دام الحزب يُسَيَّرُ بمنطق وأهداف الحركة الدينية التي ينتمي إليها، ومادامت قيادة الحزب تعبر عن أهداف سياسية بلغة دينية لم يسلم منها حتى مريديه حين وصفت ذات المذكرة رقم 1 “تغذية مراقبي مكاتب التصويت” ب”قفة المراقب”. فالحس الإحساني حاضر ولم يتم إهماله حتى بين المؤسسة الحزبية والمشتغلين تحت لوائها.

‏أي خطاب سياسي هذا يحاول هؤلاء ترويجه بيننا؟ فالمغاربة ألفوا ممارسة السياسة من أبوابها الواسعة، واعتادوا على النقاشات السياسية الراقية ومقارعة الفكرة بالفكرة حتى في ظل المراحل السياسية الصعبة. وما نضالات الأحزاب المغربية وما أفرزته من قيادات حزبية إلا خير دليل على طبيعة النخبة السياسية التي تعاقبت على تدبير الشأن العام ببلادنا بروح وطنية عالية تأخذ بعين الاعتبار تواجد أطياف سياسية متعددة كرمز لقوة التجربة السياسية الوطنية، ولا تلهث وراء مصالح حزبية ضيقة وكأنها تهم بالقول: “أنا أو لا أحد”.

إن حزب العدالة والتنمية لم يستطع لحد الآن التخلص من ثقل عقيدته الإيديولوجية البئيسة، بالرغم مما توفر له من الأجواء الديمقراطية التي مكنته من تولي مركز الصدارة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2011. أليس المسار الديمقراطي خيار في خدمة جميع المواطنين على مختلف انتماءاتهم السياسية أم يجب أن يتوقف عند تجربة حزب العدالة والتنمية إلى حين تحقيق الإشباع لدى قادة الحزب في ممارستهم للسلطة؟

‏كيف يمكن قبول “إحداث هيئات حزبية تحي النتائج الانتخابية”، ألا يحمل هذا السلوك عدم اعتراف بسلطة القانون ومؤسسات الدولة؟ أليس هذا بمثابة تشكيك في التجربة السياسية والديمقراطية في بلادنا؟ أليس السيد رئيس الحكومة هو المشرف على الانتخابات، ويتحمل حزبه كذلك مسؤولية وزارة العدل والحريات بصفتها الساهر، رفقة وزارة الداخلية، على شفافية ونزاهة العملية الانتخابية من جميع جوانبها؟

‏إنه العبث السياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى والذي لا يمكن تفسيره إلا بحالة التخبط التي يعيش الحزب حاليا، وكذلك حالة الشك التي انتابته بشأن قدراته الانتخابية، حيث يبحث الآن كعادته على شماعة يعلق عليها إخفاقه في حالة عدم تصدره للنتائج الانتخابية.

‏إن الصورة التي يعمل الحزب على الترويج لها بشأن التجربة الانتخابية المغربية، تعكس ازدواجية سلوكه السياسي الذي يتناقض مع الحد الأدنى من الممارسة والأخلاق السياسية، فهو حزب يمارس الحكم والمعارضة في نفس الوقت، حزب يعتبر جزء من السلطة العمومية المشرفة على العملية الانتخابية، وينتقد في المقابل الدولة ويشكك في مسارها السياسي والديمقراطي العام.

‏وفي هذا السياق، يبدو أن حجم المبالغة والتهويل الذي تسعى قيادة الحزب إلى تسويقه لقواعد ومناضلي الحزب، وكذا مستوى ودرجة ترهيب الإدارة المشرفة على العملية الانتخابية، ما هو إلا محاولة لفتح جبهة جديدة للصراع لإلهاء الرأي العام عن المشاكل الحقيقية لحزب لا زال يثير النقاش حول المسافة الفارقة لديه بين الديني والسياسي في الممارسة الحزبية.

‏لقد كان من الأجدر أن يتم توجيه مجهودات وطاقة الحزب التنظيمية والتعبوية في إعداد برنامج انتخابي كفيل بتدارك زلات تدبيره الحكومي الحالي المفتقد للإبداع والابتكار في مواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، بدل الارتكان والاستسلام للعجز عن إيجاد حلول لقطاعات اجتماعية في غاية الأهمية كالتشغيل وإصلاح التعليم.

 

 

التعليقات مغلقة.