شبح الفساد – حدث كم

شبح الفساد

عبد العزيز كوكاس : “أن تموت جوعاً وأنت حر، خير من أن تعيش عبداً وأنت سمين ” مثل إنجليزي

الفساد لا لون ولا رائحة له، لكن من سوء حظ المفسدين أنهم يتركون الأثر الذي يدلنا على الفساد، والمحققون في جرائمه مثل المحققين في الجرائم الكبرى المتشابكة الخيوط، المحكمة الحِبْكَة، التي تنجح، إلى حين، في التستر والاختباء تحت ألف قناع.

الفساد لا هوية له.. هو مثل الثعلب الذي يظهر ويختفي، يبدو أحيانا مثل الشبح، لذلك حين أعيت الحيلة رجلا من حجم عبد الرحمان اليوسفي، الذي ظل ينقر برفق على الطاولة ليبرز له وجه الفساد، قال كلمته البليغة: « لسنا هنا لمطاردة الساحرات »! وهو ما كرره رئيس الحكومة الحالية، وإن في سياق مختلف..

للفساد أرجل أخطبوطية، وهو مثل السرطان الذي ينتشر في كل أنحاء الجسد الاجتماعي، فهو موجود في السياسة وله هبة في أوساط الاقتصاد، وله أعشاش ضخمة في الإدارة بمختلف أسلاكها، ويملك أقلاما صلبة تدافع عنه في الإعلام، وله حصانة في أجهزة الدولة، كما له زبانية وحماة حتى في أبسط التجمعات في قاعدة الهرم الاجتماعي..

للفساد أرباب يحمونه، وهم منتشرون بيننا بألف قناع، ولهم ألف درع للوقاية.. وما ينفجر من تحت أقدامنا اليوم نحس بعمق أنه ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج.. أو هو المشهد التقديمي في دراما حزينة..

مع توالي تقارير المجلس الأعلى للحسابات، التي كان يجب أن تكون تقارير عادية في ظل ممارسة الدولة لمبدإ الرقابة على مؤسساتها وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة كتقليد في دولة الحق والقانون، أحس كما لو أن هناك مُخرجاً ذكيا وراء الستار يختار التوقيت المناسب والمشهد الدرامي الملائم من أجل تأجيج عناصر الفُرجة أو لممارسة طقوس التطهير الجماعي، والصحافة مستعدة في ظل شح المعلومات والقيود المفروضة على سقف حرية التعبير، لتعمل على تفجير فائض الطاقة المعطلة من السخط والغضب ..

تقارير المجلس الأعلى للحسابات ليست بأية حال صك إدانة، في الدول تحتكم إلى القانون، لكنها أيضا ليست صكا للبراءة،ربما الخلط قادم عندنا من لفظة « الحساب » الذي يقترن في أذهاننا بالعقاب، لذلك لن نرتاح حتى يدخل هؤلاء أو بعضهم على الأقل إلى السجن، عند فورة تقرير المجلس الأعلى يبان الحساب، ليس مثل التعبير الفرنسي « les comptes »،ولذلك كان الرميد محقا في تشكيل لجنة لدراسة تقرير المجلس الأعلى للحسابات قبل اتخاذ أي قرار..

هل المغرب ممتلئ فقط بالمفسدين في جل مراكز القرار ولدى أطر إداراتنا ومؤسساتنا.. نعم لمحاربة الفساد، ولكن ليس بهدف تيئيسنا من وجود كفاءات عالية بهذا البلد، فرجاء ارحمونا من هذا الحب القاسي، انصفوا الأطر النزيهة، التي مثل المرأة الحرة تجوع ولا تأكل بثديها، لا تكتفوا بفضح المفسدين، بل نوِّهوا بتلك اليراعات المنتشرة في مختلف مؤسساتنا، أطر منتشرة هنا وهناك تمتلك حساً وطنيا وضميراً مهنيا، فالمجتمع المغربي في حاجة إلى نموذج إيجابي للنجاح، خارج المفسدين والانتهازيين وتجار المخدرات والنخاسة الجديدة..

في كل مدشر وقرية، في الأرياف البعيدة كما في قلب عواصمنا المتمدنة، هناك آلاف المغاربة الذين يردعهم الوازع الأخلاقي وضمائرهم الحية تقاوم إغراءات المال السايب، اخلقوا جوائز للنزاهة وتَوِّجوا أطراً حافظت على نظافة سيرتها وهي التي وجدت نفسها في قلب الإدارات الفاسدة والمؤسسات التي ترتع فيها الرشوة.. إذ لا يكفي استخدام معاول الهدم فقط، لابد من بناء منظومة للنزاهة وثقافة الشفافية وحسن التدبير، وبناء نماذج إيجابية نجحت بناء على ما حصدته بعرق جبينها، إن التشهير بالمفسدين عمل ضروري في كل ممارسة ديمقراطية، لكنه وحده لا يكفي، فغدا قد نُدخل نصف المغاربة إلى السجون، لكن ماذا بنينا، فلا تُغرقونا في مباهج الفرجة الخادعة على مآسينا، نريد ما يمكث على هذه الأرض، لا الزبد الذي يذهب جفاء.

عن “موقع”الكاتب

 

.

 

 

التعليقات مغلقة.