كولومبيا: الشكوك حول مسلسل السلام تتزايد إثر إعلان قياديين سابقين في حركة “فارك” العودة إلى حمل السلاح
بقلم: محمد بنمسعود
يتعلق الأمر بأسوأ مستجد بالنسبة لكولومبيا منذ الإعلان عن اتفاق السلام المبرم في 2016 مع حركة “القوات المسلحة الثورية لكولومبيا” (فارك)، إذ أعلن الرجل الثاني بالحركة المتمردة ذو التوجهات الماركسية، إيفان ماركيز، الذي كان يعيش مختفيا منذ أبريل 2018، في شريط فيديو نشره الأسبوع الماضي، أنه سيستأنف العمل المسلح إلى جانب قياديين آخرين في صفوف المتمردين الذين رفضوا اتفاق السلام.
وكان هذا الإعلان متوقعا بالنظر الى الانتقادات المتزايدة في الأشهر الأخيرة من قبل القائد السابق لحركة “فارك” بشأن تفعيل اتفاق السلام. وأشاع هذا الإعلان أجواء عدم اليقين في كولومبيا وأحيا المخاوف من العودة الى العنف بالبلد الجنوب أمريكي الذي تكبد نزاعا مسلحا عمر لأزيد من نصف قرن بين قوات الأمن والمتمردين وتسبب في مقتل واختفاء وإصابة أزيد من ثمانية ملايين شخص.
وفي شريط مدته أزيد من نصف ساعة نشر على موقع “يوتوب”، برر إيفان ماركيز قرار استئناف حمل السلاح ب “خيانة الدولة لاتفاق +العاصمة الكوبية+ هافانا”.
وقال الرئيس السابق لوفد الحركة المتمردة إلى مفاوضات السلام، الذي ظهر في الشريط الذي صور بإحدى غابات جنوب شرق كولومبيا وهو يرتدي بزة عسكرية خضراء رفقة قياديين سابقين في صفوف الحركة المتمردة من ضمنهم خيسوس سانتريتش (هذا الأخير موضوع مذكرة توقيف بتهمة محاولة تهريب 10 أطنان من الكوكايين الى الولايات المتحدة بعد التوصل الى اتفاق السلام في دجنبر 2016) إن “الخداع والإزدواجية والغدر والتعديل الأحادي الجانب لنص الاتفاق وعدم تفعيل التزاماته من قبل الحكومة وفبركة متابعات قضائية وانعدام الأمن يدفعنا الى استئناف حمل السلاح”.
وأثار هذا الإعلان على الفور موجة من ردود الفعل من قبل الطبقة السياسية الكولومبية سواء في صفوف الحكومة أو المعارضة.
وأعلن الرئيس اليميني إيفان دوكي، الذي حاول دون جدوى مراجعة مقتضيات اتفاق السلام المتسامح للغاية برأيه تجاه المتمردين، عن هجوم ضد “عصابة من المهربين الارهابيين التي تستفيد من دعم واحتضان ديكتاتورية نيكولاس مادورو+زعيم النظام التشافيزي بفنزويلا المجاورة+”.
ولم يتأخر رد فعل الجيش الكولومبي عن إعلان إيفان ماركيز، إذ قتل تسعة متمردين من “فارك” الجمعة في عملية عسكرية بجنوب البلاد أطلقت بأمر من رئيس الدولة.
وأعلن هذا الأخير عن مكافأة مجزية بثلاثة مليار بيسو (نحو 790 ألف أورو) لكل من يقدم معلومات تمكن من إلقاء القبض على مختلف العناصر التي ظهرت في الشريط المذكور.
من جهته، قال المفوض الحكومي السامي للسلام، ميغيل سيبايوس إن الإعلان عن استئناف العمل المسلح “مثير للقلق بشكل كبير” لا سيما وأن الرجل الثاني في حركة فارك قد دعا إلى تنسيق الجهود مع متمردي حركة جيش التحرير الوطني الذي انتقل عدد عناصرها من 1800 إلى 2300 مقاتل، وفقا لأحدث معطيات صادرة عن السلطات.
من جهته، دعا الرئيس السابق خوان مانويل سانتوس، مهندس اتفاق السلام الذي مكنه من الحصول على جائزة نوبل للسلام سنة 2016، عبر موقع تويتر، الى “قمع المنشقين” عن حركة فارك التي قال إن 90 في المائة من عناصرها يؤيدون مسلسل السلام.
من جهته، قال رودريغو لوندونو، قائد “القوة البديلة الثورية المشتركة” (الحزب المنبثق عن الحركة المتمردة)، والذي وقع اتفاق السلام ، إنه “يشعر بالعار” وقدم اعتذاره للشعب الكولومبي والمجتمع الدولي وكوبا والنرويج لقرار رفاق السلاح السابقين.
وطالب رئيس وفد الحكومة إلى مفاوضات السلام التي احتضنتها العاصمة الكوبية، أومبيرتو دي لا كايي، الكولومبيين الى “حماية مسلسل السلام”، قائلا إن إعلان متمردين سابقين العودة الى حمل السلاح ليس الأزمة الأولى ولا الأخيرة التي تشهدها عملية السلام.
وانتقد المرشح لانتخابات الرئاسة سنة 2018 حكومة إيفان دوكي وحملها مسؤولية الوضع المستجد.
وبدوره كتب لويس إرنستو غوميس، وزير الداخلية في حكومة الرئيس السابق سانتوس، أن الرئيس الحالي إيفان دوكي وألفارو أوريبي (العضو الحالي بمجلس المستشارين والرئيس اليميني الأسبق +2010-2002+)، هما المسؤولان عن التمرد الجديد، وتابع ان الحسابات السياسية لإيفان وأوريبي وتقويضهما المنهجي لمسلسل السلام قد بددا فرصة ذهبية لوقف الاقتتال الداخلي وبدء التقدم.
وعلى الصعيد الدولي، أثار إعلان الرجل الثاني في حركة “فارك” موجة من ردود الفعل من قبل عدد من دول العالم، كالشيلي وفرنسا واسبانيا والولايات المتحدة، التي نددت بخطوة القياديين السابقين في التمرد، معربة عن دعمها لتفعيل اتفاق السلام ومبدية تضامنها مع كولومبيا.
وأدانت بعثة التحقق التابعة للأمم المتحدة في كولومبيا الإعلان عن استئناف حمل السلاح من قبل القياديين السابقين في صفوف “فارك”، مشددة على التزام أغلبية المقاتلين السابقين للحركة إزاء مسلسل السلام.
وأعربت النرويج وكوبا، الضامنتان لمحادثات السلام بين “فارك” والحكومة الكولومبية، عن قلقهما البالغ إثر إعلان القائد السابق للحركة بالعودة إلى حمل السلاح، مشددتين على التزامهما بشان اتفاق السلام.
وفي بيان مشترك نشره موقع الخارجية الكوبية، طالب البلدان بتفعيل اتفاق السلام كآلية وحيدة لحماية السلام بالبلد الجنوب أمريكي.
ووفقا لمراقبين، يشكل إعلان الرئيس السابق لوفد حركة “فارك” إلى مفاوضات السلام ضربة قاسية لحكومة الرئيس دوكي ويبرز هشاشة اتفاق السلام بكولومبيا. وحذرت منظمة “السلام والمصالحة” غير الحكومية المتخصصة في النزاعات المسلحة، من مخاطر تمرد جديد من قبل قياديين سابقين في حركة “فارك”.
ووصف المحلل السياسي ليون فالانسيا إعلان القياديين السابقين في الحركة المتمردة بحمل السلاح بالمثير للقلق ، مبرزا وجود تحالف بين متمردي “فارك” وحركة “جيش التحرير الوطني” المتمردة.
وأوضح فالانسيا، في تصريح لقناة “سي إن إن” الناطقة بالاسبانية، أن المتمردين بالحركتين يمكن أن يلحقا ضررا كبيرا بكولومبيا، قائلا “إنهم أشخاص يتوفرون على تجربة عسكرية كبيرة ويمتلكون الكثير من الأموال بفضل عمليات الاستخراج غير القانوني للذهب وتهريب المخدرات”.
ووقعت حركة “فارك” في نونبر 2016 اتفاق سلام مع حكومة الرئيس السابق خوان مانويل سانتوس سرحت بموجبه سبعة آلاف من مقاتليها وتحولت الى حزب سياسي يحمل الاسم المختصر ذاته (فارك).
ومنحت عشرة مقاعد بالكونغرس لحزب “فارك” لولايتين متتاليتين (2018 و2022) طبقا لمقتضيات اتفاق السلام.
و.م.ع
التعليقات مغلقة.