إسبانيا : جائحة كورونا تبدد رغبة وخيارات السلطات في دخول سياسي واقتصادي طبيعي وآمن – حدث كم

إسبانيا : جائحة كورونا تبدد رغبة وخيارات السلطات في دخول سياسي واقتصادي طبيعي وآمن

حفيظ البقالي : دخول جديد وغير مسبوق تعيشه إسبانيا هذا العام رسمت معالمه الأبرز جائحة أبت أن تغادر بل وعاودت التمدد من جديد خلال الأسابيع القليلة الماضية مسجلة بذلك زيادة مقلقة في عدد حالات الإصابة بالوباء ما جعل من إسبانيا أحد أكثر البلدان الأوربية تضررا بهذه الجائحة التي تسببت تأثيراتها في تردي الوضع الاقتصادي وهو ما فرض على السلطات العمومية أن تحارب على أكثر من واجهة في محاولة منها لدرء الأسوأ وإعادة ترميم ما خربه الوباء وبالتالي تحقيق التعافي والانتعاشة المنشودة.

ورغم الانتكاسة التي سجلت على مستوى تطور الوضع الوبائي في الدولة الإيبيرية منذ منتصف شهر غشت الماضي ــ تجاوزت إسبانيا أمس الثلاثاء حاجز 600 ألف حالة إصابة مؤكدة بالمرض وما يفوق 30 ألف حالة وفاة ــ فإن الحكومة تصر على مواصلة جهودها الموزعة ما بين اعتماد تدابير وإجراءات جديدة لوقف تفشي الوباء ومحاصرة البؤر التي تظهر بين الحين والأخر بمختلف الجهات المستقلة وما بين وضع واعتماد برامج ومخططات بنفس استشرافي تشمل مختلف القطاعات مع ضخ استثمارات مالية كبيرة لدعم ومساعدة العديد من القطاعات خاصة الحيوية منها كالصناعة والسياحة وقطاع الشغل وغيرها والتي تشكل ركائز ودعامات الاقتصاد الوطني .

وتقوم المقاربة التي اعتمدتها إسبانيا لمواجهة هذا الوضع غير المسبوق الذي تسببت فيه الأزمة الصحية لوباء ( كوفيد ـ 19 ) على ركيزتين أساسيتين هما إعادة البناء وتجديد الاقتصاد مع السرعة في التنفيذ لأن ” الوقت قد حان لإعادة البناء ويجب أن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن لكن هذا لا يعني ترميم مبنى لإعادته إلى حالته السابقة ولكن تجديد بناء اقتصادنا ” كما أكد على ذلك بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية حين إعلانه عن رفع حالة الطوارئ الصحية .

ويرتكز تجديد بناء الاقتصاد الإسباني على مجموعة من البرامج والمخططات التي تم وضعها في إطار توافقي بين جميع الفرقاء وكانت بمثابة استجابة حقيقية وفاعلة لمواجهة الخسائر الكبيرة التي تكبدتها القطاعات المعنية خلال هذا العام جراء تفشي جائحة ( كوفيد ـ 19 ) ومن شأنها أن تساعد إسبانيا على تحقيق هدف تجديد هياكل وبناء اقتصادها بكل مكوناته .

لكن هذا البناء والتجديد للنسيج الاقتصادي الإسباني يحتاج كما شدد على ذلك بيدرو سانشيز رئيس الحكومة إلى الوحدة والتكتل والتضامن بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية ” حتى لا تكون هناك إسبانيا في مواجهة أخرى ” مع تشديده على ضرورة مشاركة الجميع في مجهود رفع التحديات المطروحة .

وبرأي سانشيز فإن لدى إسبانيا كل شيء للمضي قدما وتحقيق التقدم ” فإذا أرادت إسبانيا فإنها تستطيع ” مؤكدا على أنه ” كلما تقوت إرادة القوى السياسية وازدادت رغبتها في التوافق والتوصل إلى الاتفاق كلما كان التعافي والانتعاشة أسرع ” .

واعتبر أن المخططات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقتها الحكومة والتي تهم تحقيق الإقلاع الاقتصادي والانتقال الإيكولوجي والرقمنة وتكريس التماسك الاجتماعي والترابي والمساواة وغيرها من شأنها أن تساهم في تكريس التعافي وتحقيق النمو الاقتصادي وبالتالي تحقيق الانتعاشة الاقتصادية والاجتماعية المنشودة .

ولتحقيق ورش تجديد بناء الاقتصاد الإسباني حتى يستجيب للشروط التي فرضتها هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة ركزت السلطات على دعم أهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد الوطني والمتمثلة بالخصوص في تغيير النموذج الطاقي وتوجيهه نحو تحقيق هدف حياد الكربون بالإضافة إلى التكنولوجيات الحديثة والرقمنة والتكوين الابتكار والبحث العلمي مع تقديم الدعم والمساعدة من خلال مخططات وبرامج رصدت لها استثمارات مالية كبيرة لقطاعات من قبيل التعليم والصحة وصناعة السيارات والسياحة والعلوم والرقمنة باعتبارها كانت أكثر القطاعات تأثرا بالأزمة الحالية .

وشكل القطاع السياحي الذي تضرر بشكل كبير جراء الجائحة أحد أهم القطاعات التي حظيت بالأولية في هذا المجهود لأنه يشكل دعامة أساسية في مكونات الاقتصاد الإسباني بمساهمته بأكثر من 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي .
ووجهت الدولة لمخططات إنعاش ما تعتبره ” صناعة استراتيجية ” غلاف استثماري يقدر ب 4 مليار و 262 مليون أورو بهدف استعادة الثقة في الوجهة السياحية لإسبانيا كثاني وجهة سياحية في العالم وإعادة تنشيط القطاع وبعث الحيوية في مفاصله بالإضافة إلى تحسين القدرة التنافسية للوجهات السياحية المختلفة مع تجويد وتحسين نموذج المعرفة والذكاء السياحي عبر حملات ترويجية وتسويقية مبتكرة .

وفي مسعاها لتقديم الدعم والمساعدة لمرتكزات ودعامات الاقتصاد الوطني عمدت السلطات العمومية إلى وضع برنامج طموح لدعم قطاع صناعة السيارات الذي تضرر بدوره بشكل كبير جراء الأزمة الصحية وذلك عبر تخصيص استثمار مالي يصل إلى 75 ر 3 مليار أورو لهذه الصناعة التي هي دعامة من الدعامات الأساسية في النسيج الاقتصادي الإسباني .

ويهدف هذا البرنامج الذي يتماشى مع مخطط الانتقال البيئي الذي اعتمدته الحكومة الإسبانية والذي يطمح إلى جعل جميع السيارات الجديدة في إسبانيا خالية من الانبعاثات بحلول عام 2040 إلى تنمية وتطوير قطاع صناعة السيارات الذي يساهم بنسبة 10 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي ويوفر 9 في المائة من فرص الشغل في البلاد .

كما تم اعتماد الاستراتيجية الإسبانية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار التي تحدد الهدف الرئيسي المتمثل في مضاعفة الموارد المالية العامة والخاصة الموجهة لهذه القطاعات على مدى السنوات السبع المقبلة لتصل إلى 12 ر 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027 .

وحسب بيدرو دوكي وزير العلوم والابتكار فإن هذه الاستراتيجية تقترح زيادة تدريجية في الموارد المالية الموجهة للعلوم والتكنلوجيا والابتكار حتى الوصول إلى المعدل الأوروبي ( 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ) من أجل خلق نسيج إنتاجي أكثر ابتكارا ودينامية وتحسين القدرة التنافسية مع تجويد العمل وضمان استدامة نظام الضمان الاجتماعي .

وموازاة مع هذا المجهود قامت السلطات المركزية الإسبانية بدعم أدوار الجهات التي تتمتع بنظام الحكم الذاتي باعتبارها تضطلع بتدبير قطاعات أساسية ومحورية كالتعليم والصحة والصناعة والثقافة والفنون وغيرها إلى جانب دورها كوحدات ترابية في خلق الثروة وإحداث مناصب الشغل .

ولهذه الغاية تم إحداث صندوق خاص بقيمة 16 مليار أورو موجه لفائدة هذه الجهات المستقلة بهدف تمويل النفقات الناتجة عن تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد لاسيما في قطاعي الصحة والتعليم مع التعويض عن تراجع الإيرادات الضريبية إلى جانب ضمان توفير الخدمات العمومية الأساسية .

وبرأي العديد من المتتبعين فإن هذه البرامج والمخططات التي انطلق بعضها مباشرة بعد بداية بروز التأثيرات الأولى لتفشي الوباء قد ساهمت في التقليل ولو نسبيا من تداعيات هذه الأزمة وقدمت استجابة واضحة ودعما قويا للقطاعات المتضررة خاصة الصحة والشغل والتعليم حيث تم الحفاظ على قدر المستطاع على مناصب الشغل والوظائف وتوفير التمويلات لكل البرامج ومخططات الإنقاذ لباقي مكونات الاقتصاد الإسباني .

وتصر الحكومة على أن أولويتها الأساسية والمحورية هي إضافة إلى مواجهة والتصدي لتفشي الجائحة وتداعياتها تحقيق التعافي والانتعاشة الاقتصادية وهو الأمر الذي لن يتأكد إلا على ضوء تطور الوضع الوبائي ومدى قدرة المنظومة الصحية على وقف انتشار العدوى وبالتالي عكس المنحى التصاعدي لانتشار الوباء .

ح/ومع

التعليقات مغلقة.