+ د.رضوان غنيمي : وأنا أتلقى خبر قرار مجلس الحكومة تمديد العمل بحالة الطوارئ الصحية شهرا آخر استجابة للحالة الوبائية المقلقة، وجدت نفسي أتساءل: ماجدوى تمديد حالة الطوارئ الصحية في البلاد في ظل هذا التراخي الملحوظ في متابعة المرفق العمومي من قبل السلطة المحلية في مراقبة مدى التزام هذه المرافق للإجراءات الاحترازية التي تقتضيها هذه الطوارئ؟
باعتبار آخر، لم يعد ظاهرا أثر ولا مقتضيات هذه الطوارئ الصحية على أرض الواقع حتى نستوعب معناها ومغزاها، أقول ذلك بعد أن أطلق الحبل على الغارب للناس في جميع القطاعات والمجالات حتى بدأنا نسمع أصواتا تردد أنه لا أحد سالم من هذا الوباء، أي وفق مقتضى الكلام كما هو عند المناطقة كلنا مصابون أو سنصاب لا محالة، وبالتالي لا أهمية لهذه الإجراءات الاحترازية، وهي دعوة صريحة إلى طرح الإجراءات الاحترازية التي تبقى إلى حد الساعة الوسيلة الدفاعية الوحيدة للحد من سرعة انتشار هذا الوباء، والمتأمل في جملة من القرارات المتتالية المتخذة في إطار مواكبة هذه الجائحة ، يلمس جليا ارتجالية بعضها بشكل يجعل الجمع بينها وبين قرار تمديد حالة الطوارئ ، أمرا يصعب استيعابه وفهم آثاره وأبعاده، وإلا فكيف نجمع بين الاقرار بتدهور الحالة الوبائية بالدار البيضاء مثلا لدرجة دق ناقوس الخطر فيها، وبين قرار إقرار التعليم الحضوري بمؤسساتها؟ ، كيف نفهم ونستوعب خطورة الوضع في ظل ارتفاع حالات الإصابة وتطور مستوى الفتك، وبين غياب السلطة المحلية عن الشارع العام والمرافق العمومية التي تغيب فيها أبسط دلائل ومؤشرات الإجراءات الاحترازية التي تقتضيها حالة الطوارئ الصحية؟.
إن الوضع حقيقة لا يحتمل هذا التراخي الذي وصل حد التطبيع مع الوباء ، واستئناس ارتفاع عدد الإصابات ، وكلما بلغنا رقما حاولنا اقناع أنفسنا أننا في مأمن مالم نتجاوز هذا الرقم والأمر يتكرر ولا يتوقف، وهذا تطبيع يفوق بكثير حالة التعايش التي اقتضتها الحالة الاقتصادية للبلد، وفي ذلك إشارة واضحة إلى مستوى وعي فردي وجماعي ومؤسساتي جد متدني سيسجله التاريخ وتحاسبنا عليه الأجيال القادمة ولا شك.
ليست المسؤولية اليوم منوطة بجهة دون أخرى، بقدر ما نحن في حاجة الى إرادة سياسية ومجتمعية حقيقية، لا أقول لمواجهة هذا الوباء ، وإنما فقط للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، أما في ظل التسيب والاستهتار، والارتجالية، وانعدام المسؤولية، وضعف المتابعة، التي نلحظها على المستوى المجتمعي، فيمكن القول دون تردد بأن المستقبل ينبئ بالأسوء !.
ليس الوقت وقت مزايدة ، ولا مداهنة ، وقد أصبح الوباء يحيط بنا من كل جهة على مستوى المحيط الضيق، وأخطر ما في الأمر تقليل الناس من شأن خطورته ، في وقت أصبحنا نسجل أرقاما قياسية على مستوى الإصابات اليومية، فمتى يا ترى تتحرك الضمائر الحية الغيورة على هذا البلد؟ ، ومتى نشهد عودة حضور المواكبة المؤسساتية للسهر على تطبيق مقتضيات الطوارئ الصحية وتفعيل مساطيرها التي ما فتأت تذكر بها الآلة الإعلامية دون أن نلمس لها أثرا على مستوى أرض الواقع، بسبب تراجع الحضور الفعلي للسلطة المحلية.
إنها فرصتنا الأخيرة للتحرك اختيارا ، قبل أن نجد أنفسنا نتحرك اضطرارا، وشتان بين قرار يتخذ بأريحية وبعد نظر وعمق تفكّر، وقرار تمليه ظرفية معينة وواقع مشهود ضاغط، اعلموا أن التاريخ لا ينسى ، وإنما هي فرصة واحدة لنسجل مواقفنا ونحدد اختياراتنا وربما لنتعلم من سابق أخطائنا، فهل نستمر في تهورنا واستهتارنا، أم أن الوقت قد حان لنعيد الأمور إلى سابق عهدها كما عشنا ذلك بداية دخول الوباء إلى البلاد؟، اعلموا أن تقبل الناس أرتفاع أعداد الإصابات اليومية دون إنكار مؤشر سلبي عن مدى إرادتنا وجاهزيتنا أفرادا ومؤسسات، لتدبير أخطر مراحل الوباء ( الخريف)، هل نحتاج حقيقة أن تنفجر بؤر جديدة بمدرسة هنا ومصنع هناك لنتحرك من جديد؟، هل نحن مستعدون حقيقة لتحمل تبعات تهاوننا الآن؟ ، ما ينبغي أن نفهم من حالة شبه الغياب للسلطة المحلية من الأسواق وأماكن التجمعات؟، كيف نقرأ عدم تتبع الجهات الوصية مدى الالتزام بالبروتوكول الصحي في المؤسسات التعليمية ، والمرافق العمومية ، والأسواق اليومية؟، أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات عملية على أرض الواقع تتجاوز مجرد قرارات تتداولها وسائل الإعلام.
حفظنا الله وإياكم و رفع عنا الوباء وأبعد البلاء.
+ أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر اكادير
التعليقات مغلقة.