+ د.حسن عبيابة: وجه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، خطابا إلى الشعب المغربي، بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، حيث جاء الخطاب الملكي بمضامين غاية في الأهمية ومليئة بالعبر التاريخية والروح الوطنية العالية. ونظرا لأهمية الحدث الذي لم يصبح يوما وطنيا فقط بل أصبح يوما يلقي فيه جلالة الملك خطابا سنويا يذكر فيه المغاربة بتاريخ المسيرة المظفرة التي شارك فيها حوالي 350 ألف مغربي من جميع أنحاء المملكة ومن كل الفئات العمرية، ويذكر الجميع بالمكتسبات المهمة التي تحققت على جميع المستويات، ويجب على الباحثين والدارسين أن يحللوا هذا الحدث وما تركه من تاريخ حافل بالولاء للمقدسات الوطنية، وتأدية الواجب الوطني، وروح الدفاع عن الوحدة الترابية، ومدى أهمية حدث المسيرة التاريخي ونتائجه الحالية والمستقبلية على المستوى الجيوستراتجي لبلادنا، فلقد شكلت المسيرة الخضراء فعلا، نموذجا فريدا في التعبئة الجماعية، والالتزام والانضباط، والتشبث بالحق لاستكمال وحدتنا الترابية، كما قال جلالة الملك، حيث استطاع المغرب بحكمته وتبصره أن ينجح في استرجاع صحرائه بإبداع سياسي كبير وحسن تدبير محلي ودولي عميق، وقد وصف الخطاب الملكي المسيرة بأنها مسيرة متجددة ومتواصلة، لأنه كل سنة تعرف أقاليمنا الجنوبية مزيدا من التنمية المتنوعة في جميع المجالات، حيث أصبحت قبلة للمنافسات الرياضية الدولية، وقبلة سياحية، وقد ذكر الخطاب الملكي بالتطورات المهمة التي عرفتها قضية الصحراء المغربية على جميع المستويات وقدم تشخيصا دقيقا لملف الصحراء المغربية، يمكن تلخيص ذلك كما يلي:
• على مستوى الأمم المتحدة ذكر الخطاب الملكي بأن الهيئة الأممية اقتنعت بأن كل الأطروحات والمقاربات أصبحت متجاوزة، وأقبرتها من خلال القرارات الأخيرة لمجلس الأمن، وتقارير الأمين العام المصاحبة بالصيغ التحريرية الجديدة، هذه الفقرة تؤكد تماما أننا تجاوزنا كل المقاربات والأطروحات بشكل نهائي
• تجاوز عملية الاستفتاء واعتبارها مقاربة غير عملية ومستحيلة التطبيق،
• أن الأمم المتحدة تعبر الجزائر طرفا حقيقيا في نزاع الصحراء وتتحمل مسؤولية استمراره
• أنه تم ترسيخ، بشكل لا رجعة فيه، الحل السياسي، الذي يقوم على الواقعية والتوافق
• أن الحل الوحيد لنزاع الصحراء يكمن فقط في مبادرة المغرب للحكم الذاتي التي اقتراحها سنة 2007، والتي حظيت بدعم مجلس الأمن، والقوى الكبرى، باعتبارها الخيار الطبيعي الوحيد لتسوية هذا النزاع
• أما على مستوى الاتحاد الإفريقي، فقد أوقف المغرب، بفضل رجوعه إلى بيته الإفريقي، كل المناورات التي كانت تقوم بها بعض الأطراف المعادية للمغرب، وأصبح الإتحاد الإفريقي يقدم الدعم الكامل، للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، بشكل حصري، وبدون تدخل أي أطراف أخرى من خلال أمينها العام ومجلس الأمن فقط،
• على المستوى الدبلوماسي، حقق المغرب انتصارات قوية، حيث فتحت عدة دول شقيقة، قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة وهذا اعتراف صريح وواضح بمغربية الصحراء، وتأكيد تام على أن الأقاليم الجنوبية تنعم بالأمن والاستقرار والتنمية،
• أن المغرب واثق بأن الأمم المتحدة وبعثة المينورسو، سيواصلون القيام بواجبهم، في حماية وقف إطلاق النار بالمنطقة
• أشار الخطاب الملكي إلى المشاريع المختلفة والاستثمارات الحالية والقادمة، وخصوصا في المجال البحري التي ستجعل الأقاليم الجنوبية قاطرة للتنمية على الصعيد الدولي والقاري، وخصوصا في المجالات البحرية الغنية بالثروات المتنوعة.
كل هذه النجاحات جعلت معظم مكونات المجتمع الدولي ترفض الانجراف وراء خصوم المغرب الذين فقدوا مصداقيتهم وشعاراتهم، علما أن عدد الدول التي لا تعترف بالكيان الوهمي بلغ 163 دولة، أي 85% من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، مما دفع القوى الدولية تعتمد مواقف بناءة على مستوى إبرام شراكات إستراتيجية واقتصادية، تشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لا يتجزأ من التراب المغربي.
وقد أكد الخطاب الملكي إلزام المغرب بالتعاون مع معالي الأمين العام للأمم المتحدة، في إطار احترام قرارات مجلس الأمن من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي، وكان الخطاب الملكي واضحا في الرد على الاستفزازات والمناورات التي يقوم بها الخصوم في معبر الكركرات لعرقلة الحركة التجارية بين المغرب وموريتانيا، واعتبرها الخطاب مجرد هروب إلى الأمام، بعد سقوط كل الأطروحات المتجاوزة، وكان جلالة الملك حازما عندما أكد رفض المغرب القاطع لمحاولة عرقلة حركة السير الطبيعي، بين المغرب وموريتانيا، أو لتغيير الوضع القانوني والتاريخي شرق الجدار الأمني، أو أي استغلال غير مشروع لثروات المنطقة، ويعتبر هذا بمثابة رد قوى من المغرب على تصرفات الخصوم في معبر الكركرات، وأن المغرب لن يسمح بتهديد سلامة واستقرار أقاليمه الجنوبية، كما عرج الخطاب على ترسيم مجالاته البحرية، في إطار منظومة القانون المغربي، مع التزام المغرب بمبادئ القانون الدولي.
وهكذا، فإن تخليد ذكرى المسيرة الخضراء، هو تخليد للماضي والحاضر والمستقبل لمغرب موحد وفريد في الانضباط، والتشبث بالحق.
+ وزير سابق وأستاذ التعليم العالي
التعليقات مغلقة.