"بالواضح والمرموز" مرة أخرى..إسبانيا أخطأت الموعد مع المغرب | حدث كم

“بالواضح والمرموز” مرة أخرى..إسبانيا أخطأت الموعد مع المغرب

27/05/2021

هل يستحق قزم مثل زعيم الوهم لجبهة البوليساريو، المتهم بارتكاب جرائم إنسانية فظة، أن يشكل حلقة مفقودة في سلسلة العلاقات الثنائية التي تجمع بين المملكتين الإسبانية والمغربية؟ السياسيون الحكماء والدبلوماسيون العقلاء أجمعوا من داخل إسبانيا والمغرب وخارجها أن اختراق مجرم الحرب للأراضي الاسبانية بأوراق مزورة مشبه بواحد من كبار مافيا تهريب المخدرات والأسلحة والاتجار في البشر، بدعوى التطبيب، وما تسبب ذلك من فتور في العلاقات التي تجمع بين بلدين محورين  استراتيجيين في ربط أواصر الصداقة والتعاون بين أوروبا وإفريقيا، لا يعدو إلا تهور سياسي ديبلوماسي من جهة الجارة الاسبانية، وأن دفاعها على تواجد زعيم جبهة بوليساريو، إبراهيم “رخيص”، في إسبانيا للعلاج من تداعيات إصابته بفيروس كورونا، لا يغفر له من مواجهة القضاء العادل بتهمة “التعذيب”، ولهذه الأسباب وأخرى لا يساوي هذا المجرم قيد أنملة فيما تحقق بين البلدين منذ عصور خلت.

وجلي أن هروب الإسبان إلى الأمام، بالكتمان عن الجرائم و التستر على دخول المجرم لأراضيه، والدفاع عن الباطل، قد يحيلنا على التساؤل بمرارة حول مصير هذا الملف الشائك المدعم من طرف جنرالات الجزائر وتداعياته على ملف الصحراء المغربية خصوصا بعد الاعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه كليا لا منقوصة .

وبعد تطور قضية التزوير والاحتيال على أمة بقامتها المخابراتية ، ووقوف المغرب والمغاربة أمام هذا التصرف المتهور للجارة الاسبانية وقفة رجل واحد  للتصدي لكيد الكائدين، أضحى في حكم اليقين الاستماع اليوم قبل الغد إلى غالي الرخيص بخصوص شكوى “التعذيب”، خصوصا ليس فقط بعد تأكيد أحد المنشقين عن جبهة بوليساريو والحاصل على الجنسية الإسبانية باقتراف” الرخيص” أعمال إجرامية يعاقب عليها القانون الدولي ويدينها المنتظم الحقوقي الدولي، بل أيضا، بعد تصريح قياديين دبلوماسيين وسياسيين وعسكريين بقولهم: ” أخطأت إسبانيا في حق المغرب”.

عكس ذلك، وفي مثل هذا المقام، من الغباء أن تقامر كبيرة الدبلوماسيين، وزيرة الخارجية الإسبانية بتصريح تقول فيه أن الزعيم الوهمي الرخيص في إسبانيا “لأسباب إنسانية بحتة”، وإن بلادها قدمت للمغرب “التفسيرات المناسبة” لوجود المحتال على أراضيها. وسكتوا بعد تقديم عذر أكبر من زلة، معتقدين أننا ساكتون على ما وقع من منكر، وينتهي الكلام المباح إلى طلوع الصباح، دون تقدير لأهمية نتيجة الحسابات الخاطئة التي قد تربك علاقات إسبانيا الممتازة بالمغرب، وتؤثر على الشراكة المتميزة بينهما على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والهجرة والشركات ومكافحة التغير المناخي.

لقد ورط أرخص خليقة على وجه الأرض المسمى “غالي” بلدا ووطنا بكامله، بحمولته التاريخية والحضارية والحقوقية في مأزق دبلوماسي في غنى عنه في الظروف الراهنة، وعوض مواجهة الموقف برصانة وحكمة وعقلانية، برهنت إسبانيا على حقد ماضيها الدفين، وانحيازها الكامل إلى “كراكيز” حكام الجزائر، معبرة بالواضح بأنها لا رغبة لها في  تمتع المغرب باستقلالية كاملة على أراضيه الصحراوية، من أجل ضمان استمرار مصالحها، وكشفت هذه القضية الدنيئة بالمرموز على نية إسبانيا المبيتة التي تخفي تمديد نفوذها بالإقليم التي سبق أن طردت منه بقوة القانون و شرعية التاريخ  وبفضل عبقرية الملك الراحل الحسن الثاني، مبدع المسيرة الخضراء، لاستكمال الوحدة الترابية للمغرب، وبعدها المطالبة بسبتة ومليلية.

وفي اعتقادي أن تصعيد العداء الإستراتيجي للمغرب من طرف إسبانيا مرتبط أيضا بقضية سبتة ومليلية، والتي تزدهر مصالحها عبر تفويت السلع المهربة في محاولة منها حصر التنمية بالمغرب.

للرد على هذه الضغوطات والممارسات التي أكل عليها الدهر وشرب، ارتفعت أصوات المغاربة عبر التواصل الاجتماعي بمقاطعة السلع الاسبانية عقابا لها على ما اقترفته في حق المغرب. وأنا أقترح لماذا لا نقاطع مباريات كرة القدم الاسبانية التي يتابعها عدد كبير من المغاربة المتوزعين بين مساندة برشلونة وريال مدريد. هكذا إذا ماتت الروح الديبلوماسية في نفوس الإسبانيين، بإمكاننا إيقاظ الروح الرياضية.

ومن اللافت للانتباه أيضا أن إسبانيا سبق لها أن أغلقت الحدود في وجه المغاربة الناشطين في التهريب المعيشي من سبتة ومليلية، في محاولة لها تضييق الخناق على الحالة الاجتماعية لهذه الشريحة من المغاربة خصوصا في ظل تداعيات أزمة كورونا، وعلى الفور، جاء رد المغرب على هذه المؤامرة الخسيسة في التقرير الخاص حول النموذج التنموي الجديد، وجوابا في شموليته على كل ما من شأنه أن يهدد الحالة الاجتماعية والاقتصادية لساكنة المغرب من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.

ومن نافلة القول، من الصعب بجرة قلم، أن ننهي مع تاريخ عريق يربط بين بلدين، ومن الواضح أنه ليس من مصلحة الطرفين أن تضيع ما قيمته 15 مليار دولار وهي قيمة المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا خلال سنة 2019 بسبب قرار متهور. ومن الواضح أيضا أن ما يجمع المغرب وإسبانيا أكثر مما يفرقهما، بينهما مصالح عديدة وملفات تعاون في المجال الأمني ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتعاون تسليم المجرمين وقضايا الأسرة والأحوال الشخصية، وملف تدفق المهاجرين من جنوب الصحراء، بالإضافة إلى الاستثمارات والصيد البحري.

بعيدا عن العاطفة الديبلوماسية، لا يتناطح حولهما عنزان، أن المغرب وإسبانيا تربطهما قضايا مشتركة حساسة، ويجمعهما سجل حافل من المصالح الإستراتيجية، تدفعهما لعدم التصعيد والتعامل بحذر، رغم الأزمات الصامتة والنقاط الخلافية التي تطفو على السطح.

لذا هل حان الوقت لإنهاء التوتر البارد بعودة إسبانيا إلى جادة الصواب ومراجعة قرارها الأرعن، لتطبيع علاقة جلية مبنية على احترام الجوار بينها وبين المغرب؟

إن ما يقع اليوم بسبب المدعى “الرخيص” ما هو إلا مشهد  يتكرر بين مد وجزر، كما هو الشأن في قضية جزيرة ليلى سابقا، مشهد بسيناريو جديد خلق ارتباكا في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين، مشهد يظهر ويخبو بين حين وآخر. والإسبان وآخرون يعلمون علم اليقين، أن المغرب ليس لقمة سائغة، فمهما تنوع سيناريو المشهد وبلغت درجة الارتباك سوف لا يؤثر على سيادة المغرب وقراراته السيادية الشرعية، ولن يؤثر في أهم قضاياه المتمثلة أساسا في الصحراء المغربية وسبتة ومليلية والتنمية وملف الهجرة.

عبد المجيد الحمداوي

التعليقات مغلقة.