يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير غدا الجمعة 18 يونيو 2021 الذكرى67 لليوم الوطني للمقاومة، الذي يقترن بذكرى استشهاد البطل محمد الزرقطوني رحمه الله، والذكرى 65 للوقفة التاريخية لبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، استحضارا لتضحيات شهداء الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية، وتجسيدا لقيم البرور والوفاء لأرواحهم الطاهرة.
وذكر بلاغ للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بالمناسبة، أن ملحمة ثورة الملك والشعب اندلعت للتصدي لمؤامرة المستعمر الذي سخر كل الوسائل لبسط نفوذه وهيمنته، فأقدم في 20 غشت 1953 على فعلته النكراء بنفي بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه والأسرة الملكية الشريفة، متوهما أنه بذلك سيخمد شعلة النضال وجذوة الكفاح الوطني والتحريري.
لكن الشعب المغربي المتمسك بمقدساته الدينية وثوابته الوطنية، يؤكد البلاغ، فجرها ثورة عارمة مضحيا بالغالي والنفيس من أجل عودة الشرعية والمشروعية التاريخية بعودة الملك المجاهد الشهم الذي فضل المنفى على أن يرضخ لإرادة المستعمر وإملاءاته.
وانطلقت المظاهرات الشعبية وأعمال المقاومـة والفداء لتهز أركان الوجود الاستعماري وتضرب مصالحه وتستهدف دهاقنته وغلاته، حيث تكونت خلايا ومنظمات المقاومة المسلحة بالدار البيضاء وبسواها من المدن المغربية بتعبئة شبـاب متحمس هب لإعلاء راية الوطن والذود عن حماه وحياضه وصون عزته وكرامته. وكـان الشهيد محمد الزرقطوني أحد هؤلاء المقاومين الأفذاذ والرموز الخالدين الذين هيأوا لانطلاق المقاومة ورسم أهدافها وإرساء تنظيماتها حيث انتصب بطلا من أبطال الكفاح الوطني، حريصا على تقوية تنظيمات المقاومة وامتداداتها، لا يألـو جهدا ولا يدخر وسعا بتنسيق وتعاون مع رفاق دربه في النضال دفاعا عن مقدسات الوطن وثوابته، إلى أن لقي ربه شهيدا يوم 18 يونيو 1954 اثر اعتقاله من لدن السلطات الأمنية الاستعمارية حيث فضل الشهادة حفاظا على أسرار المقاومة والتضحية من أجل استمرارها، معطيا بذلك المثال على روح التضحية والغيرة الوطنية والنضالية التي جسدها شهداء الوطن البررة، والمقاومون وأعضاء جيش التحرير الأفذاذ متحملين كل الشدائد إيمانا بعدالة قضيتهم الوطنية ومقاصدهم النبيلة في تحقيق أماني وطموحات الشعب المغربي في الحرية والاستقلال.
فبمسيرته النضالية التي تستحق أن تكون عبرة للناشئة والأجيال الصاعدة، طبع الشهيد محمد الزرقطوني عنوان مرحلة بكاملها وجيل كامل بسماته وميزاته، فما فتئ اسمه يتردد عند كل المنظمات السرية الشيء الذي يحيل على مركزية دوره في العمل الفدائي والمواجهة المسلحة للمستعمر .
ولعل البيئة الاجتماعية والتربوية التي عاش فيها البطل والشهيد محمد الزرقطوني قد مكنته من الاحتكاك بفضاءات الزوايا والطرقية المتنورة والمصلحة بحكم طبيعة عمل والده الذي كان مقدما للطريقة الحمدوشية، الأمر الذي كان له الأثر البالغ في التنشئة النفسية والأخلاقية لمحمد الزرقطوني، وعمق تربيته الدينية التي قوت فيه الروح الإيمانية والقيم والمبادئ الوطنية منذ طفولته، حيث أتم حفظ القرآن في سن الرابعة عشرة، وعايش وهو طفل بعض الأحداث الوطنية منها تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال حينما دخل المدرسة العبدلاوية وعمره 17 سنة، وفي سنة 1945 أصبح محمد الزرقطوني عضوا نشيطا في حركة الكشفية الحسنية المنضوية في حزب الاستقلال.
وفي أوائل دجنبر 1952، وقعت الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء تضامنا مع الشعب التونسي الشقيق على اثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد وألقي القبض على زعماء الحركة الوطنية، وعندها أيقن محمد الزرقطوني أن ساعة العمل الفدائي دقت، فأخذ يبحث عن المال والسلاح. وعندما امتدت يد المستعمر إلى ملك البلاد ورمز سيادتها جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه، في 20 غشت 1953، شرع محمد الزرقطوني ورفاقه في خوض غمار الكفاح الوطني وبدأوا بنسف القطار الفرنسي الرابط بين الدار البيضاء والجزائر. واتسع مجال عمل مجموعة الزرقطوني ليشمل ربوع التراب الوطني وخاصة مدن فاس ومراكش وقلعة السراغنة.
وتكللـت الملحمـة الكبرى لثورة الملـك والشعب بالعودة المظفرة لبطل التحرير والاستقلال، جلالـة المغفور له محمد الخامس محفوفا بوارث سره ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراهما والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، وإعلان بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وإشراقة شمس الحرية والاستقلال.
وقد حرص الملك المجاهد جلالة المغفور له محمد الخامس أن يجعل من يـوم 18 يونيو 1954 يومـا للمقاومة، اعترافا واعتزازا بتضحيات شرفاء الوطن الذين استرخصوا أرواحهم فداء للوطن، حيث قام قدس الله روحه بوقفته التاريخية يوم 18 يونيو 1956 بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء أمام قبر الشهيد محمد الزرقطوني رحمة الله عليه، مجسدا بذلك قيم الوفاء والبرور بنضالات وعطاءات الشهداء والاعتزاز بملاحـم وبطولات المقاومـة المغربية حيـث قال في حقهم: “شاء الله عز وجل أن نقف اليوم على قبرك لا لنبكي شبابك الغالي، فإن أمثالك لا تقام ذكراهم بالبكاء ولا لنجدد التعزية لأهلك وذويك ، فإن فقدانك أعظم شرف، أصبحت تعز به أسرتك، ولكننا جئنا اليوم لنتذكر المثل العليا التي بذلت في سبيلها روحك الطاهرة…”.
وأضاف جلالته طيب الله ثراه مشيدا بملاحم المقاومة: “… لقد كنا في منفانا، شهد الله، نتلهف شوقا إلى أخبار مقاومة أبطالنا، فكانت هي أنسنا في نهارنا، وسمرنا في ليلنا، وكان يقيننا راسخا في أن تلك المقاومة، وقد كنا أول من حمل مشعلها، ستظل تستفحل يوما بعد يوم حتى تستأصـل جذور الباطـل، وهانحـن اليوم نستظل بدوحة الحرية التي غرسها وسقاها فدائيون بزكي دمائهم…”.
وإن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تخلد هذه الذكرى المجيدة، في أجواء من الحماس الوطني والتعبئة الشاملة لتؤكد على واجب الوفاء والبرور بالذاكرة التاريخية الوطنية وبرموزها وأعلامها وأبطالها الغر الميامين، وهي في ذات الوقت، تحرص على إيصال الرسائل والإشارات القوية وإشاعة رصيد القيم والمثل العليا ومكارم الأخلاق في أوساط وصفوف الشباب والناشئة والأجيال الجديدة والقادمة لتتشبع بأقباسها وتغترف من ينابيعها، ما به تتقوى فيها الروح الوطنية وحب الوطن والاعتزاز بالانتماء الوطني لمواصلة مسيرات الحاضر والمستقبل لبناء وإعلاء صروح المغرب الجديد، مغرب الحداثة والديمقراطية والتنمية الشاملة والمستدامة والتضامن والتكافل الاجتماعي.
وعلاقة بالتطورات التي شهدتها قضيتنا الوطنية الأولى في الآونة الأخيرة، تغتنم أسرة المقاومة وجيش التحرير، هذه المناسبة من جديد، للتنويه بالانتصارات الدبلوماسية المغربية والتي تكللت بالاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية الكاملة على أقاليمه الصحراوية، فضلا عن حجم الدعم والتأييد الذي حظيت به المبادرات المغربية والقرار الأمريكي الأخير من لدن المنتظم الدولي، إن على الصعيد الإقليمي أو القاري أو الدولي، وما أعقبها من فتح قنصليات عامة للعديد من الدول بكل من مدينتي العيون والداخلة التي بلغ عددها إلى حد الآن 22 ما بين قنصلية وتمثيلية اقتصادية وفتح آفاق جديدة كفيلة بتعزيز وتقوية الموقف المغربي في الأوساط الدولية، يزيد من عزلة خصوم الوحدة الترابية، ويسهم في مواجهة مناوراتهم ومؤامراتهم الرامية إلى التشويش على الأمن والاستقرار في أقاليمنا الجنوبية والمحاولة اليائسة للنيل من الحقوق المشروعة لبلادنا.
كما أن هذه المناسبة الغالية فرصة للتأكيد على التعبئة المستمرة واليقظة الموصولة لأسرة المقاومة وجيش التحرير كسائر فئات وأطياف المجتمع المغربي والإجماع الوطني وراء قائد البلاد المفدى جلالة الملك محمد السادس حفظه الله من أجل صيانة وحدتنا الترابية وتثبيت مكاسبنا الوطنية خاصة أننا مقبلون على بناء نموذج تنموي جديد يرقى ببلادنا العزيزة إلى مصاف الدول المتقدمة والراقية.
حدث/ومع
التعليقات مغلقة.