عبد السلام البوسرغيني : في لقائه الدوري مع الأطر الصحفية الجزائرية لم يتردد الرئيس عبد المجيد تبون في تكرار ما دأب الجنرال السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري على التباهي به ، وبتشنج أحيانا ، اذ قال تبون لمخاطبيه في اللقاء الصحفي : ” إن الجزائر أقوى دولة بفضل الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني ” , على حد تعبيره .
فهل وجد الرئيس تبون نفسه مرغما على ترديد ما يقوله الجنرال شنقريحة ، مع العلم أن تبون ، وهو الرجل السياسي ،لا يجهل بأن في إفريقيا كثير من الدول لا تقل قوة عن الجزائر ويتجنب قادتها التباهي بما يكسبون خلافا لما يفعل رجال الدولة الجزائرية .
ولقد رأينا كيف ذهب الغرور بالرئيس عبد المجيد تبون إلى تجاوز ذلك ، والإدعاء بأن الجزائر تشكل مع جنوب إفريقيا ونيجيريا المحاور الرئيسية الثلاثة في القارة الإفريقية ، علما أن نيجيريا تخلت عن شراكتها مع الجزائر ولا نقول تحالفها معها ، ولم ينجح وزير خارجيتها السابق صبري بوقادوم في مساعيه التي استهدفت فك ارتباط نيجيريا بالتحالف اقتصاديا مع المغرب والتخلي عن تلك الشراكة الهامة معه والتي ترمي إلى تحقيق أحد أهم المشاريع التنموية في إفريقيا ، ونعني به خط أنبوب للغاز يربط نيجيريا بالمغرب عبر عدد من دول غرب إفريقيا ، ومن تم إيصاله الى القارة الإفريقية .
الواقع أن الغرور الذي يتملك القادة الجزائريين ناتج عما تكدس لديهم من الأسلحة التي يلوحون بها في المناورات العسكرية التي ينظمونها من حين لآخر ويتباهون بها في القنوات التلفزية ويطلقون عليها أسماء مثل ( اكتساح ) لتكشف عن نواياهم إزاء جيرانهم ٠ لقد ظلوا يبذرون في إقتناء تلك الأسلحة المئات من مليارات الدولارات ، كان من الممكن أن تحقق للجزائر أسباب الازدهار للخروج مما عليه الآن في عدد من جهاته من الخصاص بدا واضحا وبشكل خطير في المستشفيات مع الهجمة الشرسة لوباء كوفيد كورونا .
ولقد امتد الغرور إلى عدد من الأكاديميين والإعلاميين الذين لا يفتأون يتواطؤون مع النظام العسكري رغم ما أرتكبه قادته من تجاوزات في حق شعبهم ٠ وكثيرا ما سمعنا أفرادا من النخبة الجزائرية يوجهون تهديدات ضد المغرب مستوحاة مما يصدر عن العسكريين ، ويرسلونها إما مبطنة أحيانا أو صريحة أحيانا أخرى ، وإلى الحد الذي ذهب بأحدهم إلى القول بأن في استطاعة الجزائر أن تحتل المغرب في ظرف ٤٨ ساعة .
والجدير بالذكر أن ذلك التباهي بالقوة والتلويح بالتهديد يصدران مصحوبين بإثارتهم لنزاع الصحراء وبالمطالبة بما يسمونه تصفية الاستعمار بها ، متخيلين وجود كيان فيها ، مادام ذلك النزاع معترف بوجوده بقرارات صادرة عن الأمم المتحدة، وتدهب بهم جرأتهم ، بل وقاحتهم إلى القول بما يوحي أن على الأمم التحدة أن تمنحهم التفويض للتدخل المباشرلحمل المغرب على إجراء الاستفتاء في الصحراء المغربية .
وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم بما يلوح به الجزائريون وبما يقومون به من أيواء فلول الانفصاليين الصحراويين وتسليحهم وتأليبهم ضد بلدهم ، فإن المغرب قد ظل ينهج سياسة تعتمد على مبدأين أساسيين أمكن لي استخلاصها من واقع الحال ومن المواقف التي يعبر عنها المسؤولون المغاربة في مختلف المناسبات ، وهما :
أولا ، التشبث بالسلام في المنطقة المغاربية مهما تكن التحولات ، مادام المغرب لم يتعرض لعدوان مسلح مباشر من الجزائر.
وثاني المبدأين يتمثل في البناء والتشييد وإنجاز أقصى ما يمكن من أسس العمران في الأقليم الصحراوية المغربية ، بهدف توفير أسباب العيش الرغيد لأهلها ولمختلف سكانها الذين يتقاسمون جميعا النضال اليومي من أجل النهوض بالمنطقة اقتصاديا واجتماعياً
وبالتأكيد فأن انتهاج هذه السياسة قد أعطت نتائج باهرة وضمنت الحصانة للمنطقة وأقنعت الرأي العام الإفريقي والدولي بصواب الموقف المغربي الساعي لتسوية نزاع الصحراء على أساس الحكم الذاتي .
وبالتأكيد كذلك فإن تلك الحصانة وما يكتنفها من أمن واستقرار دفعت بأكثر من عشرين دولة ، وبالضبط بأربع وعشرين دولة إفريقية وعربية الى أعتماد قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة لتكون لها بمثابة نافذة للتعرف على ما ينجز في الصحراء المغربية ، ولتكون تعبيرا عن أعترافها بسيادة المغرب على صحرائه .
وتلك الحصانة وما تدل عليه هي التي حدت بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تتويج مواقفها المؤيدة للمغرب خصوصا في مجلس الامن بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه ، وهو أعتراف سعت الجزائر بكل ما لديها من وسائل المساومة والابتزاز لكي تتراجع الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن عن القرارالذي اتخذته ألإدارة السابقة بقيادة ترامب ، ولقد ذهبت مساعيها عبثا .
ولما يتسم به قادة الجزائر ومن يسير في ركبهم من النخبة الجزائرية من غباء لم يدركوا أن الحلم الذي راود الرئيس الراحل هواري بومدين ورجاله وظنوا أنه سيتحقق بقيام كيان صحراوي قد تبخر .
لقد تبخر ذلك الحلم الذي كان يوحي لهم بأن المكاسب الاقتصادية والجيوسياسية والأستراتيجية ستضاعف من نفوذ الجزائر لتكون أكبر دولة في إفريقيا و لتبسط هيمنتها على المنطقة المغاربية ولتوسع هيمنتها في منطقة ماوراء الصحراء .
إنه ليس من الغريب أن يتساءل المرء ويقول : ألم يكن كاتب الدولة الأمريكي السابق هنري كيسنغير قد أدرك بدهائه السياسي وبحنكته الدبلوماسية ما كانت تمثله أهداف الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين من مخاطر في عز الحرب الباردة ، فسارع في خريف سنة 1974 وبالضبط في أكتوبر الى التوجه إلى الجزائرللقاء بومدين ومواجهته بأسئلة مباشرة ليتأكد مما توصل إليه ، ومن تم إشعار الساهرين على تدبير علاقات أمريكا مع الخارج ، وبالضبط مع المكلفين بالسهر على مصالح أمريكا في القارة الإفريقية بما توصل إليه من استنتاجات.
وأتخيل أنه تقرر إنذاك أن تتخذ واشنطن الموقف الذي يوصي بمساندة المغرب فيما قد يواجهه مع الجزائر ، ثم في مرحلة مابعد المسيرة الخضراء في مؤازرته في المعركة التي فتحت وما تزال مستمرة مع الجزائر ، وأنه ليس من العيب الجهر بما حصل من تحالف مع الولايات المتحدة في وقت كانت توصف بالأمبريالية واتهام بلادنا بأنها انحازت إلى المعسكر الغربي ضد المعسكر الشيوعي الذي كان سندا للحركات الثورية ثم هذا المعسكر مع أنهيار الاتحاد السوفيتي غير المأسوف عليه ، وما دام المغرب يسعى إلي تكريس وحدته الترابية لتظل الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه ، فأن أي تحالف يبرمه اليوم أو في اَي وقت ليساعده على ذلك سيكون أفضل تحالف بالنسبة له.
الدار البيضاء 9غشت 2021
عبد السلام البوسرغيني
التعليقات مغلقة.