انقسام في صفوف الطبقة السياسية التونسية حول"حالة الاستثناء والتدابير الانتقالية!" | حدث كم

انقسام في صفوف الطبقة السياسية التونسية حول”حالة الاستثناء والتدابير الانتقالية!”

22/09/2021

كما كان متوقعا، أثار خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي ألقاه، أول أمس الاثنين بسيدي بوزيد (وسط الغرب)، جدلا حادا داخل الأوساط السياسية والنقابية. ورغم اختلافها وانقسامها الكبيرين، أعربت غالبية الأوساط السياسية عن رفضها لتمديد الإجراءات الاستثنائية وتطبيق تدابير انتقالية، التي تعني “تعليق الدستور ووقفا نهائيا لنشاط البرلمان”.

ووفقا لبعض المحللين، فإن الرغبة في إحداث قطيعة كاملة مع نظام ما قبل 25 يوليوز تثير تساؤلات ومخاوف من “انحراف استبدادي” عن الحقوق والحريات، وشكوكا حول المشروع الذي ينوي الرئيس سعيد تنفيذه.

ويعتقد هؤلاء أن تونس بحاجة أكثر من أي وقت مضى لاستعادة الثقة وتوفير الرؤية وإعادة تنشيط الآلة الاقتصادية لتصحيح الأوضاع، وتجنب السيناريو الأسوأ وعدم الوقوع في “الشعبوية التي لا يمكن التنبؤ بعواقبها”.

كما يرى المراقبون أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس تثير تخوفات أكثر مما توفر حلولا للمستقبل أو تعيد الثقة أو تزيل الغموض الذي لا يزال قائما بشأن الفرص المحتملة للانخراط في نقاش صريح وهادئ قادر على إخراج البلاد من الحالة التي توجد فيها.

ومن خلال استهداف الطبقة السياسية، التي يعتبرها الرئيس “مكونة من فاسدين مستعدين لبيع أرواحهم ولا يترددون في اللجوء إلى كل الأعمال القذرة للبقاء في السلطة”، يعطي قيس سعيد الانطباع بأنه يضع كل السياسيين في نفس القارب. والمنتخبون ليسوا أفضل حالا، فالرئيس يعتقد أن “البرلمان تحول إلى سوق تباع فيه الأصوات وتشترى”، كما أن تشكيل الحكومة ليس أولوية قصوى. وبعد ما يقرب من شهرين على التغيير الذي حدث في 25 يوليوز الماضي، يظل رئيس الدولة مقتنعا بضرورة تغيير النظام قبل تعيين رئيس جديد للحكومة. وقال في الخطاب الذي ألقاه يوم 20 شتنبر في سيدي بوزيد “هل تحتاجون إلى حكومة تستجيب لاحتياجاتكم أم للصوص ينهبون بلدكم؟”.

وبالنسبة للعديد من السياسيين والخبراء، لا يبدو أن الرئيس سعيد يعطي عامل الوقت الأهمية التي يستحقها. وهذا ما يفسر إحجامه عن تشكيل حكومة جديدة، حيث أن الشيء الأساسي بالنسبة إليه هو “إعادة الشرعية إلى الشعب”، دون أن يحدد النهج الذي سيتخذه أو الإجراءات التي ينوي تنفيذها.

ويبدو اليوم أن الإعلانات التي كشف عنها في سيدي بوزيد، وهي استمرار الإجراءات الاستثنائية، والتعيين المرتقب لرئيس حكومة على أساس أحكام انتقالية تستجيب لإرادة الشعب، لا تحظى بموافقة غالبية الطبقة السياسية والمجتمع المدني.

وبالفعل، يعرب المعارضون والأحزاب السياسية والقضاة والمحامون عن رفضهم لأي تعليق لتطبيق الدستور أو “تغيير للنظام السياسي”.
ويعتقدون أن إعلانات الرئيس تشير إلى بدء الاستعدادات لإجراء انتخابات تشريعية جديدة لتغيير البرلمان، ولإصلاح دستور 2014 الذي وضع نظاما هجينا، لا رئاسيا ولا برلمانيا، وهو ما يشكل مصدر توترات دائمة بين السلطتين.

وفي ظل هذه الفوضى، يبدو أن آراء بعض المتخصصين في القانون الدستوري تتعارض مع المعنى الذي يريده رئيس الجمهورية.

وفي هذا الصدد، ترى أستاذة القانون الدستوري، منى كريم، أن التنفيذ المرتقب للأحكام الانتقالية في إطار الدستور له مغزى قانوني واحد فقط: تعليق العمل بالدستور.

نفس الرأي أعرب عنه مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، الصغير زكراوي، الذي اعتبر أنه لا يمكن القول إن الإعلان عن أحكام جديدة لا يعني وقف العمل بالدستور.

من جهتها، لم تنتظر الأحزاب السياسية طويلا لتعرب عن رأيها. وكانت حركة النهضة (إسلامية)، الخاسر الرئيسي في الإجراءات التي اتخذها الرئيس منذ 25 يوليوز الماضي.

واعتبرت الحركة أن استمرار العمل بالإجراءات الاستثنائية إلى أجل غير مسمى أصاب مؤسسات الدولة بالشلل في ظل غياب حكومة شرعية واستمرار تجميد البرلمان المنتخب.

وأكدت أن هذا الأمر يهدد الدولة ويعمق الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ويلحق الضرر بصورة تونس مع شركائها الماليين والدوليين.

كما ترى الحركة أن إعلان رئيس الجمهورية عن نيته وضع أحكام انتقالية فردية يشكل “توجها خطيرا وتصميما على إلغاء الدستور”.

من جانبها ، تبدو حركة “الشعب” وقد خرجت من هذا الإجماع، حيث اعتبر هيكل مكي، أحد قادتها، خطاب الرئيس بمثابة إعلان رئاسي عن “الانتقال من دولة المافيا إلى دولة الشعب”.

كما تقاسم الأمين العام للحركة، زهير مغزاوي، نفس الرأي قائلا إن حزبه يوافق على خطاب الرئيس قيس سعيد، معتبرا أن الإعلانات تدخل في إطار الإصلاحات السياسية.

وفي انتظار إعلان رئيس الجمهورية عن اسم رئيس الحكومة المستقبلي وتقديم مزيد من التفاصيل حول مشروعه السياسي، يظل النقاش العام مركزا على أسئلة من قبيل كيفية إعادة تشكيل المشهد السياسي، وبروز طبقة سياسية من أشخاص صادقين ومخلصين.
ح/م

التعليقات مغلقة.