صفاء بو لجداد: جائحة كورونا هي كل ما يشغل العالم بجميع بلدانه، مع أن اللقاحات اليوم باتت متاحة إلا أنها ما زالت لم تضع حدا لقصة الرعب التي نعيشها و مع أننا ما زلنا متشبثين بأمل العلم إلا أن سؤال متى سنعود للحياة التي كنا نملك قبل الوباء اللعين؟ يقض مضجعنا .. وهل ما فرضته الجائحة سيختفي معها أم أننا خضعنا لتحولات جذرية دائمة؟
إن أضرار جائحة كورونا لم تكن حكرا على دول دون أخرى بل أشعرت كل الدول بضعف أفرادها وأنظمتها، عل كل المستويات الطبية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، كما أنها ساهمت في اختفاء ذلك الشعور النسبي بالأمن مقابل الخوف والهوس بضرورة الوقاية.. والذي ازدادت معه الاستثمارات في القطاع الصحي، نقاشات هنا وهناك حول النفقات المعيشية المضطربة .. وتدابير وقائية مفروضة من قبل الحكومات .
لم يعد الفيروس مستقلا عن الذوات البشرية بل أصبح كل شخص ناقلا للفيروس ، وتحولت كل ذات مصدر خطر على الآخر .. هذا القلق من الغير دفع إلى المزيد من الانعزال، الفردانية والتباعد، الاستغناء عن المصافحة، القبل والعناق، عن الوداع واللقاء، وبشكل أكثر حدة عند أولئك المصابين بالأمراض النفسية.. الخوف من الاكتئاب خيم على كل الأعمار والأجناس والطبقات الاجتماعية المختلفة.
لا يمكننا بالطبع التكهن بما سيبقى بشكل دائم من أسلوب التعايش الجديد ومن “ذبذبات كورونا”، وما الذي سيختفي في الزمن المتمنى زمن “ما بعد كورونا”، وهذا ما أنجب لنا آراء متعددة حيث اعتبر خبراء في مختلف المجالات والتخصصات أن تكتل القوى وتظافرها وسط جماعات قادر على حل المشاكل والأزمات، بينما اعتبر تيار آخر أنه لا رجعة للتفكير القومي وأن هذه الأزمة هي محطة عبور إلى أسلوب الفردانية، على أن يتم استغلاله للوصول إلى سياسات اقتصادية، بيئية واجتماعية تهدف جميعها إلى المصالح والرفاهية.
نحو عالم رقمي :
قد يكون التنبؤ بالوضع العالمي بعد كورونا صعب لكن يمكننا استقراء وضع الرقمنة الآن. يزداد عالم الاتصالات يوما تلو الآخر، فبعد أن كان الكل يحذر من خطرها من جامعات وشركات ودوائر حكومية صارت اليوم الحل الوحيد للتواصل.. حيث اضطرت كل المؤسسات إلى خوض تجربة العالم الرقمي التي تكللت بالنجاح، ومع كل التغيرات التي طرأت على نظام الحياة العملية بسبب الرقمنة إلا أنها عرفت تطبيعا غير مسبوق مما سيزيد من اعتماد المكتب المنزلي ،المؤتمرات عبر الفيديو والتعليم عن بعد، خاصة وأن هذه التقنيات غير مكلفة وتزيد من جاذبية أرباب العمل وعروضهم المناسبة.
مصائب قوم عند قوم فوائد ،فإذا كان مجال الاتصالات تطور إلى أحسن و كذلك مجالات أخرى استفادت من أزمة كورونا فإن سوق العقارات قد يتأُثر، لأن العمال لم يعودوا في حاجة إلى سكن قريب من العمل فمساحتهم البيتية تكفي .
إن هذا الاتجاه نحو مكتب منزلي يزيد من مستوى عمل النساء، حيث يساعدهن على الموازنة بين العمل والأسرة، بعد أن كن متأثرات بالقيود المفروضة في الحياة العامة، ولأن المرأة كانت مهددة أكثر بفقدان العمل أو التعرض للعنف الأسري الذي تزايد بشكل ملحوظ، فإنها المستفيد الأول من هذا التوجه نحو الرقمنة .
الإيديولوجيا :
مع أن التبادل والتواصل العلمي في المجالات المجتمع والسياسة والإعلام بحاجة إلى مزيد من التطوير إلا أن الجائحة عززت فكرة ضرورة العلم و أن الحكومات التي تسند قراراتها إلى معارف علمية شفافة يمكنها أن تقود بلدانها نحو تجاوز الأزمة بشكل أفضل من تلك التي تقوم على الأيديولوجيات و في هذا الصدد يبقى البرهان الأفضل هو الترخيص اللقاحات ضد كورونا الذي يدل على إمكانية الانتصار على الوباء ، من خلال العلم وهذه النقطة في حد ذاتها مكسبا معرفيا جوهريا ، سوف يساعدنا على مواجهة المشكلات الكبيرة بشكل منطقي حتى انتهاء مرحلة كورونا .
مازال سيناريو كورونا مستمرا إلى حد الساعة وكأي مسلسل مازلنا نكتشف حلقاته يوما بعد يوم جاهلين النهاية .. متعايشين مع التأرجح بين الحذر والإطلاق .. وفي الخاطر أمنية العودة لما كان قبل والتخلص من كل تهديد
التعليقات مغلقة.