لم يكن القرار السيادي المغربي القاضي بعودة العلاقات الدبلوماسية المغربية/ الإسرائيلية، بعد توقفها لما يزيد عن عقدين من الزمن ، عقب إخلال الجانب الإسرائيلي إذ ذاك بإلتزاماته وتعهوداته المبرمة مع الجانب الفلسطيني. مما أدى إلى انطلاق شرارة الإنتفاضة الفلسطينية بشكل غير مسبوق بالأراضي المحتلة،وغيرها .وما ترتب عنها من مآسي وكوارث بشرية وضياع للحقوق الفلسطينية وغيرها. قبل أن تأخذ هذه الأنتفاضة أشكالا وصيغا متعددة لمواجهة الآحتلال، ومحاولة وقف كل أشكال الإستطان ،والتهويد الممنهج للقدس الشريف والأراضي الإسلامية، ومحاولة كذلك تحييد المقدسات الدينية بالأراضي المقدسية الفلسطينية، استمرت عبر مراحل وماتزال الى حدود كتابة هذه السطور. ولو بأساليب مختلفة.
ولم يكن القرار السيادي المغربي بعودة استئناف العلاقات مع الدولة العربية من فراغ ، أو من باب التماهي مع الرغبة الأمريكية كما يدعي البعض ،او نزولا عند منطق المساومة والمقايضة بين القضية الفلسطينية وقضية الصحراء المغربية ، كما ذهبت إلى ذلك معظم القراءات والتحاليل والآراء السياسية ، بخاصة المعروفة بحساسيتها المبالغ فيها تجاه كل ما هو مغربي، هذا طبعا دون الحديث عن التأويلات والقراءات والتحاليل التعسفية للأعداء التقلبدين من الجوار المغاربي الذين يتربصون بالمغرب الدوائر بالمناسبة أو بدونه ، للركوب على كل ما يمكن ان يسيئ أكثر الى صورته داخليا وخارجيا. بل على النقيض من ذلك فالقرار السيادي المتحدث عنه جاء في سايقات وتحولات غير اعتيادية تعرفها المنطقة الإقليمية والمنطقة الأورومتوسطية على جميع المستويات. كما أن ذات القرار جاء ترجمة لرغبة ما يزيد عن مليون ونصف المليون يهودي من أصول مغربية يعيشون في إسرائيل ، وذلك من أجل الآبقاء على روابطهم الأصلية الدينية والمغربية والإنسانية والعلائقية والتاريخية بينهم وبين وطنهم الأم ” المغرب”، وتشبتهم بالبيعة الشرعية والتاريخية للملك محمد السادس باعتباره أمير المؤمنين. عدا الحرص القوي على حماية وتعزبز قضية المصالح العليا للمملكة المغربية المحددة في قواميس العلاقات الدبلوماسية العالمية المتواترة بين الدول.
ومعلوم وموثوق في العلاقات الدولية ، أن المصالح هي المحدد الأسمى لجميع العلاقات بكل روافدها بين الشعوب والدول. وبالتالي لاضير في عودة العلاقات المغربية/ الإسرائيلية، فيما إذا كانت ستدفع بتعزيز الشركات الإقتصادية والتجارية ، وتقوي التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات الصناعة ونقل الخدمات وتبادل الخبرات وتطوير المهارات وسيادة الامن والإستقرار، ويرفع من حجم المبادلات التجارية والعلمية والثقافية والتقنية والتكنولوجية وغيرها بين الدولتين، ويقوي بالمقابل الإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر تعزيز الشراكة الامنية والعسكرية و الإستخباراتية ، ومواجهة كذلك كل أشكال التحديات والإكرهات الإقليمية والقارية والجهوية. بل عودة استئناف العلاقات المغربية – الإسرائيلية قد تسهم بشكل كبير في تدليل العقبات وتيسير الحلول السياسية بين الفلسطينين والإسرائلين. ويقرب وجهات النظر بين الطرفين نحو البحث عن الحلول الممكنة لتثبيت مقومات الامن والسلام وتحقيق حلم حل الدولتين تعيشان جنبا إلى جنب في وسلم وآمان. وبالتالي من غير المستبعد ان يتحول المغرب وهو قادر على ذلك الى لاعب رئيسي ووسيط موثوق به بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، لما يتمتع به من مصداقية وعلاقات قوية بين كافة أطراف الصراع، وما له من تأثير سياسي،سيما بالداخل الإسرائيلي عبر عدد كبير من اليهود المغاربة المتواجدين بأقوى المؤسسات الدستورية المركزية النافذة في دولة إسرائيل.
ولاشك أن العالم العربي والإسلامي وغيره سيفاجأ لامحالة بإذن الله في القادم من الشهور بالمبادرات البناءة والجادة والملموسة للمغرب حيال قضية الصراع الفلسطيني الإسرائلي، ومن خلاله ما تبقى من الصراع العربي الإسرائيلي. بعيدا عن الشعارات المزيفة للبعض والحملات المغرضة والمضللة والكاذبة التي لاتحرك ساكنا. وبعيدا كذلك عن المزايدات الرخيصة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية والتوظيف النتن لها من طرف أصحاب الشعار الوهمي ” نحن مع فلسطين ظالمة او مظلومة ” الذي يتخفى وراء بيع الوهم و الإدعاء البراق والكاذب.
المملكة المغربية أمة ودولة عريقة تمتد إلى أكثر من 12 قرنا من التواجد الزماني والبشري ، وليست مقاطعة إدارية لدولة أجنبية وجودة على المقاس في منتصف القرن الماضي بقرار جمهوري. قد لا يتعدى عمرها أصلا سنوات الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وعليه لابد على هذا النوع من الدويلات المجهرية أن تختشي وتعرف حجم مقدارها ومكانتها بين الأمم الشامخة من حجم المملكة المغربية الضاربة في عمق التاريخ البشري . وان تستحي من نفسها ، وتكف أقلامها وابواقها المأجورة عن محاولة الإساءة إلى أسيادهم في المنطقة المغاربية ، وينتهوا عن التوظيف المخزي للقضية الفلسطينية والتشدق بالشعارات الكاذبة حولها. ويقطعوا مع السياسة البائدة لبلد الثورة او البقرة ، وينظرون في المرآة بكل مسؤولية للوقوف على حقيقة حجمهم الذي يشكل حتى جناح بعوضة في تاريخ ومكانة الامم.
ح/ب/ا
التعليقات مغلقة.