من غير المستبعد أن يتم الكشف بشكل جلي عن طبيعة الأزمة الدبلوماسية الصامتة ، القائمة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية خلال عملية التصويت الخاصة بقضية الصحراء المغربية بمجلس الأمن نهاية الشهر الجاري، حيث يتم التداول بأروقة هذا الأخير، شهر أكتوبر من كل سنة عن التطورات الحاصلة على أرض الواقع وتقييم الأوضاع على أساس التقارير المصاحبة لها من طرف عناصر البعثة الاممية ” المينورسو”، المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار الموقع بين الاطراف المعنية سنة 1991 ,الى جانب خلاصات الأمين العام للأمم المتحدة التي تتأسس هي الاخرى على تجميع المعطيات المحصل عليها عبر الزبارت الميدانية، وكذا اللقاءات المباشرة التي يقوم بها المبعوث الاممي الخاص الى الصحراء المغربية.
وعلى هذا المنحى يرتقب أن تكشف “فرنسا /ماكرون” في متم الشهر المذكور عن موقفها حيال قضية الصحراء المغربية، في ضوء تمدد ذيول الأزمة السياسية والدبلوماسية التي تعرفها العلاقات بين البلدين لما يزيد عن السنتين ،على خلفية تعارض المواقف وتباين الرؤى في العديد من القضايا والملفات ، سواء على مستوى العلاقات الثنائية ، أو العلاقات المتعددة الأطراف، سيما تلك المرتبطة بالقضايا الإقليمية ذات الصلة بالقارة السمراء ،أو بالملفات الأورومتوسطية وغيرها، وفي ظل كذلك الدخول ” الإنتهازي” لجنرالات الجزائري على خط الأزمة بين الرباط وباريس ، ومحاولة استمالة الجانب الفرنسي والعمل على إحداث تغيير في موقفه بشأن قضية الصحراء المغربية، لصالح الطرح الإنفصالي ، عبر توظيف ورقة الغاز ومواد الطاقة بشكل عام، مستغلة في ذلك ـ جزائر الثكنات العسكرية ـ الوضع الصعب الذي تجتازه فرنسا عقب أزمة تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وما خلفته وماتزال من اختناق وشح ونذرة في تزويد فرنسا وباقي الدول الأوروبية بمواد الطاقة والغاز.
ومعلوم أن الشعب الفرنسي ومعه شعوب القارة العجوز يعيش على وقع المخلفات القاهرة والخانقة لتراجع سلاسل التوريد للغاز والمحروقات بكل أنواعها، والنظام الجزائري يستغل الحاجة الملحة والضرورية والماسة لفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية لمادة الغاز وغيره شتاء هذا العام.
وبالتالي يتطلع” نظام العسكر” الى توظيف ورقة المحروقات والغاز بشكل مقصود وانتهازي محاولة منه لتحقيق بعض الأهداف الخاصة التي تروم في تقديره الى خلق نوع من التوازن الإستراتيجية في صراعه مع المغرب حول قضية الصحراء المغربية بشكل أساسي، بحيث أصبحت الألاعيب القذرة مكشوفة في هذا الإطار. الامر الذي يجعل قصر الإليزيه على عهد إيمانويل ماكرون على سبيل الذكر، في موقف لا يحسد عليه ، خاصة ملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية. وبالتالي ينتظر أن تكون عملية التصويت المرتقبة نهاية الشهر الحالي بمجلس الامن حول قضية الصحراء المغربية ، المدخل الاساس لتحديد طبيعة علاقة باريس مع الرباط، في ضوء التحولات والمتغيرات التي فرضتها بقوة مؤخرا الازمة الدبلوماسية والسياسية بين البلدين.
وتأسيسا على هذا المنحى، فإما أن تترجم “فرنسا/ماكرون” محصلة الازمة بينها وبين المغرب، وتخرج عن مواقفها الثابتة التي كانت على الدوام لصالح الرباط ، وداعمة لها في وحدتها الترابية ،وتكون بذلك قد أجهزت على علاقاتها التاريخية مع شريكها التقليدي في الضفة الجنوبية، وتصطف تحت ضغط الحاجة لمادة الغاز والنفط الى جانب نظام العسكر في الجزائر، وإما أن تبقي على مواقفها التاريخية الثابتة حيال ملف الصحراء المغربية، وتتخلص من عقدة الإبتزاز الجزائري المرتبط بالطاقة والغاز، وتكون بذلك قد أبعدت عن نفسها شبح القطيعة مع دولة فاعلة ومتفاعلة وموثوق بها في القارة الإفريقية وغيرها من حجم المملكة المغربية.
والأكيد أن فرنسا وفق مراقبين وجدت نفسها في هذا الموقف غير المعتاد ، بفعل فشل سياسة رئيس الجمهورية ماكرون غير المستشرفة لحقيقة الأوضاع وسوء التقدير لطبيعة المرحلة والتحولات الدولية التي فرضتها أزمة الحرب على أوكرانيا، وعدم قدرته على إنقاذ الشعب الفرنسي من التداعيات المدمرة لمخلفات هذه الحرب على كافة الأصعدة.
ح/م.ب
التعليقات مغلقة.